تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأخذ يسارع الخطى لتحقيق هدفه بأن يجمع بينهما فينعم بتلك المكانة الخاصة لدى المأمون ويتخلص ممن أزعج هؤلاء المعتزلة وزلل كيانهم في هذه المملكة!

لذا سيق الإمام أحمد مكبلاً بالحديد سريعاً من بغداد إلى حيث يعيش الخليفة المأمون خارج بغداد

ولم يكن للإمام أحمد في هذه المحنة إلا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والاستغفار لعل الله أن يثبته على مقولته و يخفف عنه ما هو فيه ويكفيه شر الخليفة المأمون وأعوانه.

فهو إمام أهل السنة في زمانه وبعد زمانه فلو تخاذل وقال بما يقولون لأتبعه خلق عظيم من الناس و لضاعت السنة وانتصرت البدعة

لقد كانت فتنة عظيمة أن يقول الخليفة العباسي بخلق القرآن إتباعا لبعض علماء السوء والأهواء

بل أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين خوفاً من المأمون وولاته عملا بقوله تعالي:" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" ..

وما تصدى له إلا الإمام أحمد ونفرٌ قليل من العلماء رفعوا راية السنة، ودافعوا عن معتقد أهل السنة والجماعة ولم يركنوا إلى ما قاله المأمون ثم تراجع البعض بعد أن هددوا وتوعدوا وعذبوا ومات البعض الآخر في محبسه ولم يبق في نهاية الأمر إلا الإمام أحمد بن حنبل صامداً في وجه السلطان ومدافعاً عن عقيدة أهل السنة

وهذا ما جعل المأمون يشتط غضباً ويأمر باعتقاله وتعذيبه بل وقتله إن اجتمع معه ولم يوافقه!!

لم تكن المسافة قريبة بين محبسه و قصر الخليفة في طرسوس لمن هو مكبل بمثل هذا الحديد ومقيد اليدين والرجلين إمعاناً في إهانته وتذليله

ولمن هو متوعد من الخليفة إن هو أصر على مقولته ليقتلنه أمام الناس، ومعروف إن المأمون إذا توعد فإنه حتماً سينفذ ما توعد به وخاصة أنه وضع سيفاً بجانبه وقال إنها لقطع رأس ابن حنبل إن لم يتراجع في مجلسي!

فهو في وسط قوته وسلطانه وجبروته ولا يمنعه مانع فبإشارة من إصبعه يستطيع أن يبيد قرية كاملة في دقائق قليلة فكيف برجل ضعيف ليس له ناصر إلا الله سبحانه وتعالى ... !

كان قلب الإمام أحمد ممتلئاً بالإيمان لذا لم يتسلل الخوف إلى قلبه من الموت

فهو يعلم أن الموت بيد الله وحده، ولكنه في قرارة نفسه كان كلما اقترب من المصير المحتوم صبّر نفسه ودعا للمأمون أن يهديه الله إلى الحق -وهذا هو دأب علماء السلف الدعاء للحاكم لا عليه وإن كان السيف فوق رأسه - وكذا دعا أن ينصر السنة به وأن يثبته في ساعة الاختبار العظيم والموقف الجلل وأن يبقى على ثباته وقد تجمعت الحشود ولمعت السيوف.

يتبع

ـ[كرم مبارك]ــــــــ[30 - 01 - 2010, 06:28 ص]ـ

في الطريق وبالتحديد في مكان يسمى الرحبة "موضع على شاطئ الفرات على بعد مئة فرسخ من بغداد"

تقدم رجل من عامة الناس يعمل في غزل الصوف والشعر

هذا الرجل خرج من بيته في بادية العراق لكي يدرك الإمام أحمد ويقول له كلمة لعلها تثبت قلبه

سبحان الله!! .. من عامة الناس، ويسعى من بعيد، يشق الصحراء والقفار ولا يخشى الهوام والأخطار لكي يطمئن الإمام أحمد أن عامة الناس معه بقلوبهم رغم خشيتهم من التصريح!

ما أعظم هذه الأمة!

وما أعظم هذا الرجل رحمه الله تعالى!

وما أعظم أن تقدم للدين ولو كلمة لا تلقي لها بالاً هي عند الله عظيمة

وها هي ذكرى هذا الرجل خالدة إلى يومنا هذا يترحم عليه الناس كلما قرأوا محنة الإمام أحمد

دخل هذا الرجل إلى الإمام أحمد وحوله الجنود فقال: يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا وإن عشت عشت حميدًا، وما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة. فقوي قلب الإمام أحمد بهذه الكلمات وعلم أن الأمة كلها خلفه

بعد أن عبروا الفرات في طريقهم إلى طرسوس

توقفت القافلة للراحة في خان (مكان للسكن بأجرة) كان في طريق الرحلة، كان أغلب الجند متعاطفين مع الإمام فهو عالم رباني لم يروا في العلم والصدق والإخلاص مثيلاً له، ولكنهم مجبرون أن يطيعوا خليفتهم وينفذوا أمره، لذا لم يكن لدى قائد الحرس مانع أن يأذن لرجل يدعى أبو جعفر الأنباري ليلتقي بالإمام لدقائق معدودة بعد إلحاحه بذلك، وكان الإمام يعرفه.

دمعت عينا أبا جعفر الأنباري لما رأى من حال الإمام أحمد،وكيف أصبح هزيلاً وكيف أن مثله يجب أن يحترم ويقدر ويقدم في المجالس ولكنه ابتلي وأخذ يجر مثل المجرمين مقيداً بأصفاد ثقيلة فقط لأنه قال قولة الحق بأن القرآن كلام الله غير مخلوق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير