تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النظار، فالعمل تصديق، وليس ثم تصديق إلا لحقيقة تُتَصور، فصارت الحلقات ثلاث:

باعث قلبي على العمل يلقيه الرب، جل وعلا، في قلب عبده، توفيقا، إن كان العمل صالحا، فيكون من خواطر الخير التي يلقيها الملك في قلب العبد فتلك لمة الملك، وفتنة إن كان العمل فاسدا، فيكون من خواطر الشر التي يلقيها الشيطان في قلبه فتلك لمة الشيطان، وهذان، كما يقول بعض أهل العلم، نازعان لا ينفكان عن أي قلب حساس ينبض بالإرادات ويتحرك في المعقولات نظرا وتدبرا، فلا ينفك الإنسان لما جبل عليه من الإرادة والحركة، عن نازع خير هو من إلهام الرب، جل وعلا، ونازع شر هو من إلهام الشيطان، وإن كان الرب، جل وعلا، مقدره وخالقه، فلا ينسب إليه على جهة الفعل، إذ ليس في أفعاله، عز وجل، شر، وإنما الشر في المفعولات الكائنة، فالشر في خلقه بمعنى المفعول لا في خلقه، بمعنى الفعل، فليس إليه الشر فعلا، وإن كان له خلقا، فمبدأ الأمر خاطر يعرض في منطقة الخواطر فلا يؤاخذ الإنسان به حتى يصير هما جازما، فإن ألقي في خاطره نازع خير فليحمد الله، عز وجل، فإنه من منه تفضلا وامتنانا، وإن ألقي في خاطره نازع شر فليستعذ بالله، عز وجل، من شر الشيطان ومن شر نفسه فإنه منهما، وإن كان الرب، جل وعلا، خالقهما، فإذا كان مبدأ الأمر كذلك فإن ذلك الباعث إن كان خيرا فيلزم لإيقاعه في عالم الشهادة على وفق مراد الرب، جل وعلا، الشرعي، الذي يحبه ويرضاه، يلزم لذلك، بمقتضى ما أجرى الرب، جل وعلا، عليه كونه وشرعه، من السنن الثابت، فلا يتبدل ولا يتغير، يلزم لذلك:

علم نافع يوجه هذا الباعث إلى الوجهة الصحيحة.

فعمل هو آخر الحلقات ظهورا، وإن كان أولها لحوقا بالذهن، فهي أول ما يتصوره العقل الذي يقفز إلى العلة الغائية، حتى قبل مباشرته العلة الفاعلية، فقبل أن يباشر السبب يتصور ثمرته من المسبب الناشئ عنه، فما نطق إمام هدى بحق، أو حمل مجاهد سلاحا ليصير ذلك الحق العلمي الجاري على لسان الأئمة الصادقين، حقيقة في عالم الشهادة، فيواطئ بعمله علمه، ما نطق الأول وعمل الثاني إلا بعد تصور ثمرة ذلك القول أو العمل، فالغاية سابقة الوسيلة في التصور تالية لها في الوجود، فتلك من المسلمات العقلية التي يحس بها أي فاعل سواء أكان فعله ديانة أو حتى عادة، فلا يباشر وسيلة الأكل إلا وقد تصور قبلها غاية الشبع ولذته، فيحمله ذلك على تحمل أعباء تحصيل ثمن المطعم وشرائه وتجهيزه ....... إلخ، ولولا تلك اللذة التي يمني نفسه بها ما تحرك لتحصيلها، فالعلم بها والإرادة لنيلها هما وقود جوارحه لتحصيل ومباشرة أسبابها. وإذا كان ذلك حاله في لذات طارئة من مطعم أو منكح يأنف العاقل إذا تصور حقائقها المجردة أو علم ما يؤول إليه أمرها من فضلات يستحى من التصريح بأسمائها، فهي عورات لا يرضى عاقل اطلاع أحد عليه حال مباشرتها، فهي أعراض نقص جبلي فطر عليها لتظهر في مقابلها أوصاف كمال الرب، جل وعلا، فإذا كان ذلك حاله في تلك اللذات الدنيا، فكيف باللذات العليا من العلوم النافعة والأعمال الصالحة؟!، ألا يكون التصور العلمي الصحيح لغاياتها أولى قبل مباشرة أسبابها ليقع المسبب على الوجه الذي يحبه ربنا، جل وعلا، ويرضاه؟!.

ولما تجسس بعض الخونة على حركة الشيخ القسام، رحمه الله، فأرسل له حاكم لواء حيفا الإنجليزي متوعدا، أجابه الشيخ، رحمه الله، بعد أن أخرج مصحفه من جيب جبته، بعبارته الشهيرة: هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه. وذلك هو الأثر العملي لما قام ونشأ بقلب وعقل الشيخ، رحمه الله، من التصورات العلمية الصحيحة والإرادات الصالحة، فجمع للشيخ، رحمه الله، ما يفتقده، عموم المسلمين، لا سيما في الأعصار المتأخرة، من الجمع بين العلم والعمل. فإما علم مجرد يحلق في سماء النظريات المثالية على وزان علوم الفلاسفة التي لا أثر لها في الحياة فهي محض تصورات لا وجود لها خارج الأذهان، فلا تمس الواقع ولا تؤثر فيه إيجابا، وليس ذلك مسلك الرسل عليهم السلام، أصحاب القوى العلمية والعملية العظمى، وإما أعمال وقودها الحماس بلا عقل يضبطها، ولا يكون ذلك الضابط إلا علميا، ولا يكون علم نافع في هذا الشأن، إلا ما تلقاه العقل من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير