تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى كلا التأويلين فقد عوفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وساوس الشيطان، فنازع الخير في نفسه عظيم بمقتضى عصمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك مبعث إرادات الخير في القلب ونازع الشر في نفسه منقطع، فغايته أن يغان على قلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمقتضى الجبلة البشرية التي لا تسلم من غفلة يجبها الاستغفار العام، أو الاستغفار الوقائي، كما يسميه بعض أهل العلم المعاصرين، فهو استغفار لما قد يرد على منطقة الخواطر، ولا حساب على ما يرد عليها ما لم يصر هما جازما فنتقل عبر صمام العقل إلى منطقة الكسب، فتصير مناطا للثواب أو العقاب، فالاستغفار لما قد يرد عليها من الغين إنما هو سد لذريعة صيرورتها أعمالا يؤاخذ فاعلها، وذلك معنى استغفاره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليس استغفارا خاصا لذنوب ارتكبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما هو استغفار عام، ولو قيل بأنه من الاستغفار الخاص فذلك لصغائر على قول من يجيز وقوع الصغائر غير المزرية من الأنبياء عليهم السلام، فهم منزهون بالإجماع عن الكبائر وصغائر الخسة، وإنما وقع الخلاف في الصغائر غير المزرية، فجوز بعض أهل العلم وقوعها منهم، فيوفقون إلى التوبة منها والإكثار من الاستغفار والحسنات الماحية لها، فيصيرون خيرا مما كانوا فهي في حقهم رفعة للدرجات، وذلك أمر ثابت من باب الكرامة لصالحي البشر ممن هم دونهم كالصحابة، رضي الله عنهم، فاستحقاقهم لهذه الكرامة ثابت من باب أولى، فهم بكل كرامة أولى، فالنوازع في نفسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد تكاملت، فانقطعت مادة الشر من الكسب لمكان العصمة على التفصيل السابق، وانقطعت مادة الشر من الخاطر بالاستغفار العام من الغين على القلب الذي لا يسلم منه بشر بمقتضى الجبلة، فالاستغفار، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين يبطل نازع الهوى في القلب، ثم اجتمع له صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الهواتف: هاتف الملك، فلمته: إِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، وهاتف القرين بعد إسلامه فلا يأمره إلا بخير، أو على التأويل الثاني قد كفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شره، فقوي نازع الخير في نفسه بانحسار نازع الشر بالاستغفار العام وقطع مادته من هاتف الشر، وصادف نازع الخير هواتف الخير من لمة الملك وأمر القرين بالخير، وكل ذلك مئنة من كمال عناية الرب، جل وعلا، بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم خصوصا، وبأنبيائه ورسله عموما، فعصمهم مما لم يعصم منه سائر البشر، وإن بلغوا مرتبة الصديقية أرفع المراتب بعد مرتبة النبوة.

فصار تعلق الخطاب بأمته أقوى، من جهة مباشرتها ما لا يباشره من نوازع الشر فهي في نفوسهم أقوى، وإن كانوا على رسم الصديقية والصلاح، فلا يسلمون منها فلزمهم الاستغفار العام سدا لتلك الذريعة بإبطال مبادئها الأولى، فالدفع أولى من الرفع، كما يقول أهل العلم، فإن الدفع بالاستغفار العام لما لا يحاسب عليه المكلف ابتداء: رفعة في الدرجة فهو من الذكر، ولزمهم الاستغفار الخاص إذا وقعوا في ذنب فلا يسلم من ذلك غير الأنبياء، عليهم السلام، لمكان عدم العصمة وإن بلغوا من رفعة المنزلة ما بلغوا، فالاستغفار يضعف نازع الشر الداخلي، فيقهر شهوات النفس، ويضعف مستقبلات الوساوس في القلب فلا يجد الشيطان محلا ملائما ليلقي فيه شبهاته، فإن ألقى في القلب شبهة فالاستعاذة كفيلة برفعها، فإن المستعيذ يلجأ إلى خالق إبليس ومسلطه على بني آدم، فلا يقدر إبليس على النيل ممن هو في جوار الجبار، عز وجل، فذلك من البداهة بمكان، بخلاف من سفسط فادعى لإبليس من القوى ما صيره سجانا لأرواح البشر في الجحيم، وإن كانوا أنبياء معصومين!، برسم الخطيئة الأولى فعجز الرب عن تخليص أوليائه ففداهم بنفسه فحصل الخلاص من الأسر بصلب الرب!، ولا منتهى لضلالات بني آدم إن أعرضوا عن طريق النبوات، وسلكوا طرائق الوساوس، والشاهد أن الاستغفار يرد النازع الداخلي إن كان شرا، ويقويه إن كان خيرا، فإضعاف قوى الشر في النفس بقهرها بالذكر والاستغفار يفسح المجال لقوى الخير لتعمل في أرجاء القلب فتولد من إرادات الخير ما به يصلح أمر الباطن أصلا، والظاهر فرعا عنه، فيلهج اللسان بالذكر وتعمر الجوارح بالعمل، على ما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير