تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اطرد من تلازم الباطن والظاهر فلا ينفكان، فالظاهر لسان الحال الناطق بما يجيش في الباطن من تصورات علمية وإرادات عملية، والاستعاذة ترد الهاتف الخارجي إن كان شرا فتحسم مادة الوسواس من القلب، فالاستغفار قد أبطل مستقبلاتها النفسية كما تقدم، والاستعاذة قد قضت عليها، فلا يخشى من دخل في جوار الملك، عز وجل، أذى مماليكه، فكيف إن كان المؤذي أخس مماليكه وأبغضهم إليه، وإنما أمهله إلى يوم البعث ليظهر فضل آدم عليه السلام عليه إذ عصى وتاب فمعصيته شهوة عارضة، بخلاف معصية الأول فهي كبر قد تمكن من نفسه فعارض أمر الرب، جل وعلا، بقياس عقله الفاسد، فلا يسجد لآدم، عليه السلام، إذ هو بزعمه، أشرف منه مادة وأحق منه بالخلافة!، فـ: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، وكأن الرب، جل وعلا، لا يعلم حيث يجعل خلافته، فذلك من جنس مقالة من اقترحوا أنبياء على هواهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، فهم، بلسان الحال، أعلم من الرب، جل وعلا، بمواضع رسالته!، فجاء الجواب عقيب قولهم: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، وجاء الجواب في موضع آخر: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، وذلك من جنس مقالة كل من عارض الشرع برأيه، في أصل أو فرع، فجاءه النقل الصحيح فعارضه بقياس العقل الباطل، إذ كل قياس عارض نصا فهو فاسد الاعتبار، وذلك مئنة من فساد العقل الذي صدر منه، فإن العقل الصريح لا يجد غضاضة في موافقة النقل الصحيح، بل إن كمال حاله ورفعة شأنه لا تكون إلا بذلك، فعقول من استجاب لأخبار الرسالات تصديقا، وأحكامها تطبيقا، أزكى من عقول المكذبين الصادين، وبقدر موافقة النقل الصحيح يكون حظ العقل من السلامة من الآفات والوساوس، فمن لم يعرف النبوة أصلا فعقله أفسد ممن عرفها ولو محرفة، كما هو حال أهل الكتاب، فإنهم على فساد حالهم أحسن حالا من الأمم التي لم تعرف نبوة ابتداء، وذلك من بركة النبوات، فمجرد معرفتها والانتساب إليها، ولو اسما بلا حقيقة، يرفع درجة صاحبها، فله من الأحكام ما ليس لغيره، كما قد علم من استقراء أحكام أهل الذمة، فتحل مناكحتهم وتحل ذبائحهم على تفصيل ليس هذا محله، فانتسابهم إلى النبوة، ولو زورا، قد صير لهم من المكانة ما ليس لغيرهم، فتمييزهم بجملة من الأحكام، إنما هو تعظيم للنبوة التي ينتسبون إليها، وإن كانوا في أنفسهم بفساد مقالتهم بعد التحريف ليسوا أهلا للتعظيم، وذلك من عدل الإسلام بإنزال الناس منازلهم، وفي المقابل: حال من انتسب إلى النبوة الخاتمة خير من حال أهل الكتاب، إلا إن كان انتسابه إلى فرقة ضالة خرجت عن دائرة الإسلام بل فاقت أهل الكتاب ضلالا كما هو حال الغلاة من الإسماعيلية والنصيرية والدروز فضلا عن النحل الحادثة التي تظهر الانتساب إلى الإسلام زورا كالقاديانية والبهائية، فأولئك ليس لهم من الإسلام اسم ولا مسمى، بل أهل الكتاب خير منهم، كما نص على ذلك بعض المحققين من أهل العلم، فمن انتسب إلى الإسلام فصار من أهل القبلة فهو خير من أهل الكتاب، فعقله أسلم إذ قد عرف التوحيد ولو إجمالا، وداخل دائرة أهل القبلة تتفاوت النحل قوة وضعفا في العقل بقدر قربها أو بعدها من السنة، فهي الحكم العدل في إعطاء كل ذي حق حقه، بإنزاله منزلته التي تليق به، وذلك، كما تقدم، من صور العدل في إطلاق الأسماء والأحكام على المكلفين، فلا تجده في ملة أخرى غير ملة الإسلام، ولا تجده في نحلة أخرى غير نحلة أهل السنة فهم أعدل الناس في هذا الباب، لكونهم أعلم الناس بالحق فلا ميوعة في أحكامهم، وأرحمهم بالخلق، فلا ظلم في أفعالهم، أو هكذا يفترض أن يكونوا، فالوصف وصف معياري لأمة بأكملها لا وصف شخصي يتناول الأفراد فردا فردا فكثير منهم بل جلهم مقصرون في أمر الديانة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير