تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلم تطغ عليها أنماط الحياة المادية التي نعيشها الآن، يلمس أولئك القدر الفارق بينه وبين الوضع العام في زمانهم، فيترحمون، بلغتنا الدارجة على أيام زمان!، فظهرت تلك الأنماط السلوكية المتدنية التي تدنى معها سقف طموح أي إنسان يدعو الناس إلى التفاعل مع قضية مصيرية كقضية المسجد الأقصى، فعلى سبيل المثال وهذه أمثلة حقيقية لا افتراضية:

هل تستطيع أن تطلب من موظف همه الاستماع إلى ما تحكيه زميلته في العمل عن أدق تفاصيل حياتها الزوجية، أو من موظف همه استعمال جهاز الحاسب الآلي في عمله لمشاهدة الصور الإباحية التي أتى بها خصيصا على قرص ممغنط، او من طالب في الجامعة منتهى أمله أن تستجيب زميلته لغزله العفيف الذي ينتهي غالبا إلى نتائج غير عفيفة، أو من جندي أو ضابط في جيش قد سرت فيه الفواحش سريان النار في الهشيم، ويعلم ذلك كل من ابتلي بأداء الخدمة الإجبارية، وهي خدمة بالفعل لمن هو أعلى منك رتبة تصل أحيانا إلى شراء الخضروات من السوق!، ولم أبتل بأدائها، ولله الحمد والمنة، فهي من المصائب الكونية التي لا يملك كثير منا لها رفعا أو دفعا، ولا زلت أحمد الرب، جل وعلا، على ذلك، وإن خالفني بعض الأصحاب والزملاء، فقد حفظ الله، عز وجل، لمن عوفي منها ما له من بقية دين أو خلق، إن كان ثم دين أو خلق ابتداء، والسؤال كما صدر به الكلام: هل تستطيع أن تطلب مجرد طلب من أولئك ومن غيرهم، حتى من كثير ممن أنعم الرب، جل وعلا، عليهم بالتزام جملة وافرة من أحكام الدين، أن تطلب منهم التفاعل مع قضية المسجد الأقصى، وهم ما بين أسير لشهواته، أو أسير لمتطلبات حياته، أو خائف تعد عليه أنفاسه، والمؤسسات الحكومية: تنفيذية أو تعليمية ...... عامرة، ولله الحمد، بالجواسيس!، والمسألة أنك باختصار أمام تصور عام هو وليد خطط بعيدة المدى وقصيرة المدى لتفريغ نفوس المسلمين من معاني الإسلام، فالإسلام محفوظ من لدن نزل وإلى قيام الساعة فلا ناسخ له ولا يقدر أحد على تحريفه، فقد تولى الباري، عز وجل، حفظه، ولكن أعداءه نجحوا في تضييق مجاريه في نفوس أتباعه، فصار رسوما بلا حقائق، وذلك من خلال سلسلة من الخطط بعيدة المدى كالخطة التي طبقت بنجاح من الحملة الفرنسية وإلى الآن فعمرها قد زاد على القرنين، أو الخطط قصيرة المدى كخطة كامب ديفيد، وهي أشهر هذه الخطط المرحلية، والتي أعقبها مقتل الزعيم!، ومن ثم ترسيخ المعاهدة كأمر واقع مع تفريغ الصحوة الإسلامية من كثير من معانيها الإيمانية، ولا ينكر أحد وقوع صور من الغلو في بعض تصرفاتها آنذاك فرعا عن الحماس الذي لم يصاحبه القدر الكافي من العلم الذي يلجمه بلجام المصالح الشرعية المعتبرة، ولكن كان ما كان من تفريغ الصحوة الإسلامية من معانيها تدريجيا من خلال خطة محكمة تم فيها قصر الدين على ظاهره، وهو من الأهمية بمكان، فهو شعار هذا الدين، ولكنه ليس الدين كله ليصير هم الإنسان الأول تحرير مسائله دون نظر إلى جوهر هذه العقيدة التي تتسم بالاتزان في تعاملها مع الشأن الخاص للفرد المسلم والشأن العام للجماعة المسلمة، ومن ثم تم بذر بذور الشقاق بمهارة منقطعة النظير بين الحركات الإسلامية المعاصرة، وساعد أفراد هذه الحركات الباذر على بذره بما امتاز به كثير منهم من التعصب للأسماء والأحزاب، وضيق الأفق، وعدم تقدير المصالح الشرعية المعتبرة لا المتوهمة التي يقترحها كل عقل فينتصر لها بلا مستند من شرع، فغلبت فئة الجانب الحركي دون نظر إلى الجانب العلمي، بل لسان حالها، بل ربما مقالها: تحقير العلم وأهله، وهي بذلك تحاكي دون أن تشعر التيارات العلمانية التي يسخر أصحابها من أحكام الشريعة لا سيما أحكام الفروع الدقيقة كمسائل الطهارة وشروط وسنن العبادات ........ إلخ، وعلى الجانب الآخر غلبت فئة الجانب العلمي، فشغلت نفسها بتحرير أدق المسائل بأغمض مسالك الاستدلال وشغلت بالتفريع في علوم الوسائل عن علوم الغايات فضلا عن العمل بهذه العلوم فتحول العلم إلى غاية، وطلبه في نفسه في غاية، فهو من العمل الصالح، ولكنه ليس الغاية العظمى بل لا بد له من شاهد صدق من العمل، وفي مقابل هذا الاشتغال بالمفضول عن الفاضل أهمل كثير من دارسي العلوم الشرعية القضايا الكلية لهذه الأمة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير