تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوقعوا في ضد ما وقع فيه الأولون، وأخيرا في السنوات القليلة الماضية، تم بذر بذور الشقاق حتى بين أصحاب الفكر الواحد، فاشتهر التعدي بالقول والفعل أحيانا برسم تصحيح المنهج!، ولقلة بل ولعدم التربية الشرعية، فكلنا منها خلو تقريبا، فتربيتنا ما بين منزلية برسم العرف دون استناد إلى تحليل أو تحريم شرعي، أو مدرسية، ومنا من لم يترب أصلا، لذلك لم يكن الخلاف جاريا في كثير من الأحيان على سنن الأدب الشرعي، ولا حتى العرفي، فالتطاول سمته الأولى، وتحصيل حظ النفس برسم الانتصار للديانة غايته، وما هو في كثير من الأحيان إلا انتصار للنفس لو تدبر فاعله، وتورط بعض أهل العلم في تنفيذ هذا المخطط دون أن يشعروا، فكان عملهم، وإن كان إحسان الظن بمعظمهم حتما لازما لا سيما مع الضغوط الرهيبة التي يتعرض لها كثير منهم، كان عملهم عاملا حافزا في إتمام هذا التفاعل الذي وصل بالأمة عموما، وبجيل الصحوة خصوصا إلى نوع من الخمول في تناول قضايا الأمة المصيرية، فتحرير مسألة الطاعة العمياء لأمراء المؤمنين المعاصرين!، ومعارك تصنيف التيارات الفكرية أهم عند كثير منا من معركة تحرير الأقصى، أو مكافحة البدع المغلظة كبدعة سب الصحابة رضي الله عنهم التي بدأت تغزو كثيرا من المجتمعات الإسلامية في السنوات الأخيرة، أو مكافحة التنصير، أو مكافحة الفواحش التي انتشرت في أوساطنا انتشار النار في الهشيم، أو محاولة إيجاد حلول عاجلة للنوازل العامة التي تفسد المزاج العام للمجتمع المسلم، كارتفاع أسعار السلع وتفشي الفقر، وهو ما يذهل العقول ويشغلها عن التطلع للقضايا الكلية فكيف تطلب من فقير، وقبل ذلك وهو الأخطر، مصاب برقة في دينه قبل أن يصاب برقة في معاشه، كيف تطلب منه أن يهتم بقضية المسجد الأقصى؟!، وما الذي يستطيع أن يقدمه لهذه القضية وليس له أي رصيد معتبر من دين أو حتى دنيا؟!.

والشاهد أن هذه الخطط المحكمة قد أوصلت العالم الإسلامي في معظم أرجائه إلى هذه الحالة المزرية، وقد استغرق تغيير التصور العام للجماعة المسلمة من تصور سليم إلى تصور فاسد وقتا وجهدا ليس بالهين، بل هو عظيم، فأنى، بمقتضى السنة الكونية، يمكن تغيير هذا التصور وإرجاعه مرة أخرى إلى التصور الصحيح بعمل ارتجالي يكون في أغلبه رد فعل عاطفي، ولن تظفر من إنسان قد نشأ وتشكل وجدانه ويبس قالبه فهو قد تجاوز الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين .... إلخ، على هذا التصور العام لن تظفر منه غالبا بأكثر من مصمصة الشفاه، ولو كانت هناك حملة لجمع التبرعات، وهو ما عدم في هذه الأيام، فحتى هذه الصورة من الدعم المباشر قد صارت شبه محظورة بل مطاردة أمنيا في بعض الدول لا سيما دول الجوار لبيت المقدس!، لو كان هناك حملة لذلك فربما شارك فيها وانتهى الأمر على ذلك دون أن يكون هناك تخطيط منظم، وهو ما أشار إليه ذلك الشيخ الفاضل، لتربية جيل جديد وفق أسس شرعية سليمة، بعمل منظم لا مجرد محاولات فردية يغلب عليها في كثير من الأحيان الارتجالية والعشوائية، وهو أمر يستغرق سنينا بل ربما أجيالا حتى تظهر ثمرته، كما استغرقت عملية إفساد تصور المسلمين سنينا بل أجيالا، فالسنة مطردة منعكسة، فالإفساد المثمر يستغرق زمنا طويلا وكذلك الإصلاح المثمر.

وكلما مرت السنوات جمد قالب الإنسان فأصبح من الصعب تغييره، ولو كان هو نفسه يريد التغيير، فقد تشكل فكره رغما عنه، فمن كان في الثلاثين أو يزيد، على سبيل المثال، فحظه من التغيير أقل ممن كان في العشرين فالأول قد مضى معظم شبابه وبدأت قواه الذهنية والبدنية في الضعف، والثاني ما زالت أمامه فرصة، ومن كان في العاشرة ففرصة نجاته أكبر، وهكذا، فكلما كانت اليقظة مبكرة كان حظ صاحبها أعظم وتاريخ الدعوة الإسلامية شاهد بذلك، فمعظم من آمن بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان من الشباب، لسهولة التغيير، ومعظم من كفر به كان من الشيوخ لصعوبة التغيير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير