تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن يعارض أو يقام التصور العام الذي صار حقيقة بعد نجاح هذه الخطط عقوبة لهذه الأمة أن فرطت في ميراث النبوة أو استخفت به، كما هو حال أغلب أهل زماننا، والعقوبات الكونية تأتي برسم العموم لا الخصوص، من يعارضه فالعصا الأمنية جاهزة لتأديبه ورده إلى التصور العام الكائن حاليا، فهو الشاذ الخارج عن النمط العام للجماعة، ولذلك أشار ذلك الشيخ الفاضل إلى مؤتمر عقد في مصر لنصرة الأقصى لم يحضره إلا نحو 500 فرد في بلد عدد المسلمين فيه يزيد على 75 مليونا، وقبلها وفي صلاة الجمعة الماضية نظمت بعض الحركات الإسلامية سلسلة من التجمعات بعد صلاة الجمعة فكان رد الفعل الأمني عنيفا كالعادة، حتى وصل الأمر إلى اعتقال بعض النساء!، بغض النظر عن الحكم الشرعي لهذه التجمعات وفي مشروعيتها أخذ ورد فالشاهد هو رصد صور التفاعل مع هذه القضية المصيرية وقياس مدى إحساس المسلمين بما يجري لمسجدهم وإخوانهم في بيت المقدس، وتلك هي ثمرة ما تقدم من إعادة صياغة التصور العام للمسلمين اختيارا أو إكراها، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية ..... إلخ قد تظافرت من أجل ذلك، دون أن يكون هناك مخطط فكري عام، لمواجهة هذه الأمر، وكثير منا قد آثر السلامة، وكاتب هذه الكلمات منهم، فجلس في البيت مكتفيا بمتابعة الأخبار على الفضائيات وشبكة المعلومات. ويوما ما قال لي أحد القرابة في لحظة صراحة وهو شاهد لما ذيل به الأخ معاذ مشاركته: ماذا تتوقع لو استيقظنا غدا ووجدنا الأقصى قد هدم؟!، ثم تولى الإجابة بنفس الصراحة: لا شيء، سيمضي كل منا إلى شأنه اليومي المعتاد وكأن شيئا لم يكن، وقد سقط بيت المقدس بأكمله في 67، ولم يحدث شيء، بل على العكس شهدت تلك الفترة ازديادا مطردا في الانحلال الأخلاقي، لا سيما بعد أن كفرت الجموع العريضة بشعارات الزعيم الخالد واكتشفت أنها لم تكن إلا أوهاما، بل إنها كانت، عند التحقيق، جزءا أصيلا من مخطط احتلال الأقصى!.

وثمار تلك الخطط المحكمة: حالة الغيبوبة التي أصابت الأمة المسلمة في عموم أفرادها، وإن كان ثم يقظة فهي فردية لا تصلح بمقتضى السنة الكونية لحصول التمكين لهذا الدين، وأغلب الظن، والله أعلم، أن هذا الجيل لن يكون جيل تحرير الأقصى إلا أن يشاء الله، عز وجل، غير ذلك، والسنة الكونية قاضية، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، بأن يضرب المسلمون ضربا مبرحا ليستيقظوا، إلا أن يشاء الله، عز وجل، غير ذلك، وقد رأينا آثارا من آثار هذا الضرب المبرح في البلقان والقفقاز وبلاد الأفغان وأخيرا في العراق وغزة، ومع ذلك لم يستيقظ أغلبنا، ولو على المستوى الفردي، وعموما فإن لسان حال بل مقال كثير منا: للأقصى رب يحميه، وإخواننا في الأرض المقدسة، لا سيما بعد المواقف المجزية لعموم المسلمين في نازلة غزة الأخيرة قد وطنوا أنفسهم على أنهم سيخوضون المعركة تقريبا بمفردهم، فلن يصلهم غالبا أي دعم مادي ملموس، فغاية الأمر: الدعم المعنوي سواء أكان معتبرا كالدعاء فهو من آكد صور الدعم لا سيما من النساء ومن أصحاب الأعذار الشرعية فهم الأحق بالإجابة في مثل هذه المواضع التي قعد فيها القادرون فليسوا أهلا للإجابة، أو غير معتبر كمصمصة الشفاه وفتح الأفواه ذهولا أمام شاشات الفضائيات.

والغرب يريد إسلاما يوافق توجهاته، ففرنسا، كما يقول رئيس الوزراء الفرنسي، تريد إسلاما فرنسيا لا يصطدم مع قيم جمهوريتهم العلمانية، فلا يسمح الغرب، وهو الآن، بمقتضى الابتلاء الكوني، صانع القرار الحقيقي في كثير من بلادنا، لا يسمح إلا بأنماط معينة من الإسلام، فالإسلام الخيري الذي يعنى بجمع التبرعات للحالات الإنسانية، بشرط ألا تتعدى حدود البلاد فتصل إلى أهل غزة مثلا! فكل يجب أن ينشغل بحاله دون حال غيره، هذا الإسلام مسموح به على تحفظ لا سيما بعد أحداث 2001 فقد طوردت كثير من المؤسسات الإغاثية الإسلامية عقيبها، وهذا من الإسلام بلا شك، ولكنه ليس الإسلام كله، وإسلام العبادات مسموح به على المستوى الفردي، على مضض، فـ: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، وبعض البلاد تضيق حتى على من يؤدي الشعائر، وهذا، أيضا، من الإسلام، ولكنه ليس الإسلام كله، والإسلام الأخلاقي لا بأس به بشرط الفردية فهي ضمان لعدم سريان الأمر إلى بقية أفراد المجتمع، وليس هذا، أيضا، الإسلام كله، والإسلام العلمي في حلقات الدرس، مسموح به على تضييق وتحكم في المناهج ومحاربة لجهود العلماء المستقلين في نشره وتحجيم لنشاطهم وقصره على علوم بعينها لا تمس الواقع مباشرة، وهذا، أيضا، جزء من الإسلام لا الإسلام كله، وأما الإسلام بمفهومه الشامل لكل أمور الحياة: دقيقها وجليلها، الإسلام الذي يعنى بالشأن الخاص والعام على حد سواء، الإسلام الذي هو منهج متكامل في الشعائر والعقائد والأحكام والسياسات والأخلاق، إسلام: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، هذا الإسلام الفاعل المؤثر في كل مناحي الحياة العلمية والعملية هو العدو الأكبر الذي لا يمكن السكوت عنه وإن تركه أعداؤه فهدنة حتى يمكن إيجاد وسيلة للالتفاف عليه وتفريغه من محتواه شيئا فشيئا.

وإلى الله المشتكى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير