ولست بصدد بيان صحة هذا الأسلوب من خطأه. فهذا سيأتي بحثه.
إنما الشاهد أن هذه طريقة بعض الناس في ترويج الإشاعة بدعوى النصح للمشاع عنه كما يزعم.
الثاني: الشماتة:
وذلك بأن يكون الدافع والمحرك لنشر الإشاعة وترويجها بين الناس إنما هو الشماتة بصاحبها والوقيعة فيه. عياذاً بالله من هذا.
الثالث: الفضول.
وهذا حال اغلب المروّجين للإشاعة فإن أصغاء السامعين لحديثه وأشخاصهم بإبصارهم إليه وتشوقهم لسماع كل ما يقول دافع من أعظم الدوافع لنقل الإشاعة هذا إن سلم - ولا يكاد إلا من رحم الله - من التزويد في الكلام بغية تشويقهم وتعلقهم بما يقول.
الرابع: " قطع أوقات المجالس بذكرها ".
فمن المعلوم المشاهد أن كل من الحاضرين أو أغلبهم في المجلس يريد أن يدلي للمشاركة في الكلام والنقاش - ولو كان عقيماً - ويرى السكوت نقصاً في حقه فتراه يذكر هذه الإشاعة بقصد المشاركة في الحديث بغض النظر عن ما يترتب عليه نقله ذاك.
ذات الإشاعة وناقلها والمنقول إليه والمنقولة عنه:
أما ذات الإشاعة:
فإن من الإشاعات ما يتفق العقلاء على بطلانه أو كما يقال: " سقوطها يغني عن إسقاطها " و " بطلانها يغني عن إبطالها ".
فهذا النوع من الإشاعات الاشتغال به دليل على نقص عقل ناقلها.
ولو كان الأمر يقف عند هذا الحد لكان هيناً لكن قد يتعداه إلى القدح في معتقد ناقل الإشاعة وذلك كأن تكون الإشاعة تكذيباً لشيء ورد القرآن بتصديقه أو على العكس من ذلك.
كبعض الشائعات التي تخرج بين فينة وأخرى بأن القيامة تقوم في اليوم الفلاني بالتاريخ الفلاني أو بأن فلاناً من الناس يموت في وقت كذا في يوم كذا في مكان كذا وما شاكل ذلك فهذا كله من الرجم بالغيب الذي ما أُنزل به من سلطان.
" إن الله عند علم الساعة. . . "
" قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون "
وبكل حال فنقل الإشاعة بدون تروي ولغير مصلحة يؤدي إلى مفاسد كثيرة.
قال سيد قطب رحمه الله تعالى عند كلامه على قوله تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به. . الآية}.
(والصورة التي يرسمها هذا النص هي صورة جماعة في المعسكر الإسلامي لم تألف نفوسهم النظام ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر.
وفي النتائج التي تترتب عليها وقد تكون قاصمة لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث ولم يدركوا جدية الموقف وأن كلمة عابرة وفلتة لسان ق تجبر من العواقب على الشخص ذاته وعلى جماعته كلها ما لا يخطر له ببال وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال! أو - ربما - لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعسكر وهكذا لا يعنيهم ما يقع له من جراء أخذ كل شائعة والجري بها هنا وهناك وإذاعتهم حين يتلقاها لسان عن لسان سواء كانت إشاعة أمن أو إشاعة خوف فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة. . . ".
وقال أيضاً رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) قال: وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام.
" إذ تلقونه بألسنتكم " لسان يتلقى عن لسان بلا تدبر ولا تروٍ ولا فحص ولا إمعان نظر. حتى لكأن القول لا يمر على الآذان ولا تتملاه الرؤوس ولا تتدبره القلوب! " وتقولون بأفواهكم " لا بوعيكم ولا بعقلكم ولا بقلبكم! إنما هي كلمات تقذف بها الأفواه قبل أن تستقر في المدارك وقبل أن تتلقاه العقول. . .).
أما ناقل الإشاعة:
فيلزمه أمور منها:
أولاً: أن يتقي الله تعالى في نفسه ويراقبه في كل ما يقول ويفعل.
ثانياً: أن يتذكر أنه محاسب على كل كلمة يقولها. . قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين .. }.
وقال: {وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
وقال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء - كذباً أو إثماً - أن يحدث بكل ما سمع ".
ثالثاً: أن يكون قصده سليماً لا لوث فيه كان يستغل ذكر الإشاعة للتنفيس عن نفسه مما يجد في صدره عن المنقول عنه فليحذر المسلم من هذا المسلك المشين: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}. {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
¥