تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى هذا فلزماً على المسلم أن يصلح قبله وقالبه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ومتى ما علم الله ذلك منه فسيرى ويلقى من الله ما يحب ويرضى.

{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم}.

رابعاً: أن يتروى ويتثبت في كل ما يقول وأن يحذر من التزيّد في الكلام وأن لا ينقل إلا ما كان متأكداً من سماعه أو رؤيته حتى تبرأ ذمته. وإليك هذا المثال الذي يبين لك كيف كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم _ وهم أتقى الناس. بعد الأنبياء والرسل - يتحرون ويتثبتون في نقل الأخبار وهم من هم في العدالة والصدق. والأمانة عن أبي شريح رضي الله تعالى عنه أنه قال لعمر بن سعيد - وهو يبعث البعوث إلى مكة - ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناني حين تكلم به. . . الخ.

هذا هو الشاهد من الحديث تثبت ما بعده تثبت وتوثّق ما عبده توثّق.

خامساً: أن يكون مقصده من نقل الإشاعة التأكد من صحتها إلى المنقول عنه:

فعليه أن يبين هذا لمن يستمع إليه حتى يستنير بأرائهم حول هذا الخبر.

سادساً: على ناقل الإشاعة أن يفرّق بين المجالس التي يرتادها أو الجليس الذي قد يجالسه وقت حدث الإشاعة.

فما كل مجلس يصلح.

بل إن بعض المجالس قد تزيد بل تزيد في ترويج الإشاعة وعلى أوجه مختلفة. فيتسع الخرق على الراقع.

وهذه المجالس هي التي يحضرها الغوغاء من الناس.

وأولئك مضرتهم راجحة على منفعتهم إن صح أن عندهم نفعاً في مجالسهم تلك.

وأسوق هنا دليلاً واحداً يبين لنا كيف كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون المقام الملائم لكل كلام.

روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أراد أن يقوم مقاماً للناس يتكلم فيه عن خبر بلغه يطعن في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه - حيث تمت له البيعة في عجلة من الأمر - فلما هم عمر بالقيام ذلك اليوم قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كلّ مطيِّر وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فامهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة. . . "

فتدبر أخي رعاك الله هذا الكلام واجعله نصب عينيك ثم انظر كيف أشار عبد الرحمن على عمر رضي الله تعالى عنهما بتأخير الكلام عن تلك القضية مع بالغ أهميتها وحساسيتها. درءاً للمفسدة التي يتوقع حدوثها.

وما كان من عمر _ وهو من هو - إلا أن يأخذ بهذا الرأي السديد الرشيد فأخَّر كلامه حتى قدم المدينة على صاحبها أتم الصلاة والتسليم.

فرضي الله عن صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم فلنعم المعلم هو ولنعم المتعلمون هم.

سابعاً: على ناقل الإشاعة أن يحث المنقول لهم على التثبت والتروي والتأكد في نقلهم عنه لأنه المصدر الأصلي لهم وكل كلام يخرج منهم فمحسوب عليه ومنسوب له.

قال عمر رضي الله تعالى عنه عندما إن أراد أن يقول مقالة له - وقد سبق ذكرها - قال رضي الله تعالى عنه:

" أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدِّر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب عليَّ ".

والشاهد الذي نريده هو قوله: ومن خشي أن لا يعقلها. . . الخ.

لأن الإشاعة ليست كسائر الأخبار فلا تنقل إلا بعد التثبت ومن ثمَّ لا يخبر بها كل أحد كما سبق بيانه بخلاف العلم المتعلّق بالأمة كلها قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (وفيه الحث على تبليغ العلم ممن حفظه وفهمه وحث من لا يفهم على عدم التبليغ إلا إن كان يورده بلفظه ولا يتصرف فيه).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير