تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جـ ـ يقول الرازي في كتابه في الفرق عن الفلاسفة ـ وقد صنفهم ضمن الفرق الخارجين عن الإسلام بالحقيقة والاسم ـ: “ مذهبهم أن العالم قديم وعلته مؤثرة بالإيجاب، وليست فاعلة بالاختيار، وأكثرهم ينكرون علم الله تعالى، وينكرون حشر الأجسام، وكان أعظمهم قدراً أرستطاليس، وله كتب كثيرة، ولم ينقل تلك الكتب أحد أحسن مما نقله الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا الذي كان في زمن محمود بن سبكتكين، وجميع الفلاسفة يعتقدون في تلك الكتب اعتقادات عظيمة “ ثم يقول بعد هذا مباشرة مبيناً أسباب دراسته لكتبهم: “ وكنا نحن في ابتداء اشتغالنا بتحصيل علم الكلام تشوقنا إلى معرفة كتبهم لنرد عليهم، فصرفنا شطراً صالحاً من العمر في ذلك حتى وفقنا الله تعالى في تصنيف كتب تتضمن الرد عليهم ككتاب نهاية العقول، وكتاب المباحث المشرقية، وكتاب الملخص، وكتاب شرح الإشارات ... [وذكر كتباً أخرى] ... وهذه الكتب بأسرها تتضمن شرح أصول الدين وإبطال شبهات الفلاسفة وسائر المخالفين، وقد اعترف الموافقون والمخالفون أنه لم يصنف أحد المتقدمين والمتأخرين مثل هذه المصنفات، وأما المصنفات الأخرى التي صنفناها في علم آخر فلم نذكرها هنا “ ثم يقول عن الاتهامات التي وجهت إليه بسبب كتبه: “ ومع هذا فإن الأعداء والحساد لا يزالون يطعنون فينا وفي ديننا، مع ما بذلنا من الجد والاجتهاد في نصرة اعتقاد أهل السنة والجماعة، ويعتقدون أني لست على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد علم العالمون أنه ليس مذهبي ولا مذهب أسلافي إلا مذهب أهل السنة والجماعة، ولم تزل تلامذتي ولا تلامذة والدي في سائر أطراف العالم يدعون الخلق إلى الدين الحق والمذهب الحق، وقد أبطلوا جميع البدع، وليس العجب من طعن هؤلاء الأضداد الحساد بل العجب من الأصحاب والأحباب كيف قعدوا عن نصري والرد على أعدائي “ (707)، وهذا الكلام يدل على أن الرازي وهو يؤلف في الفلسفة كان قاصدا للرد على أصحابها من منطلق مذهبه الأشعري، ولكنه لما خاض في هذه الأمور اجتهد في عرض مذاهبهم وأقوالهم وحججهم بأسلوبه، كما فعل الغزالي في مقاصد الفلاسفة، وكانت للرازي في أثناء عرضه لهذه الأمور ترجيحات وافق في بعضها مذهب الفلاسفة، ولم يكن في وقت من الأوقات فلسفياً خالصاً حتى يقال: إن مذهبه قد تطور.

د ـ هناك جانب لابد من الانتباه إليه بالنسبة للذين خاضوا في الفلسفة من علماء الأشاعرة، وهو أنهم يحرصون كثيراً على إخفاء ما عندهم من عقائد توافق مذاهب الفلاسفة، ولذلك فهم يكتمون بعض أمورهم ويلمحون لذلك في مواضع من كتبهم، وأبرز الأمثلة على ذلك الغزالي ـ كما سبق ـ أما الرازي فكان خوضه في علوم الفلاسفة صريحاً حتى هاجمه وانتقده ـ بسبب ذلك ـ بعض علماء الأشاعرة ومع ذلك فوصل الأمر به إلى إخفاء بعض الأمور، ومن الأمثلة على ذلك:

1ـ قوله في المباحث المشرقية حين عرض لمسألة العقول والجواهر المجردة التي قال بها الفلاسفة: “ هذا ما نقوله في هذا الموضع وهذا الفصل من كلامنا، وهو مشتمل على رموز ونكت من استحضر الأصول الماضية وقف عليها، وظفر منها بالحق الذي لا محيص عنه، ولكنا تركناها مستورة لئلا يصل إليها إلا من هو أهلها “ (708).

2ـ وفي شرحه لكتاب الإشارات والتنبيهات قال بعد ذكر قول ابن سينا في آخرها: “ خاتمة ووصية: إني قد مخضت لك في هذه الإشارات عن زبدة الحق، وألقمتك قفيّ الحكم في لطائف الكلم، فصنه عن الجاهلين والمبتذلين، ومن لم يرزق الفطنة الوقادة، والدربة والعادة، وكان صغاه مع الغاغة، أو كان من ملاحدة هؤلاء الفلاسفة ومن همجهم، فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته واستقامة سيرته وبتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، وبنظره إلى الحق بعين الرضا والصدق، فآته ما يسألك منه، مدرجا، مجزأ، مفرقا، تستغرس مما تسلفه لما تستقبله، وعاهده بالله وبأيمان لا مخارج لها، ليجرى فيما تأتيه مجراك متأسياً بك، فإن أذعت هذا العلم، أو أضعته فالله بيني وبينك وكفى بالله وكيلاً “ (709)، قال الرازي معلقاً على هذا الكلام: “ وأنا أيضاً أوصيك يا أخي في الدين وصاحبي في طلب اليقين أن تعمل بهذا الشرح ما أمرك الشيخ به، وأن لا تعدل عن قانون قوله، فإنك بعد اطلاعك على ما فيه، ووقوفك على حقائقه ومعانيه تعلم أن الضنة إن حسنت في المشروح فهي واجبة في الشرح لكثرة ما فيها من الحقائق الدقيقة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير