تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كان من آثار هذا الشرك الصريح، أنه ذكر أن من الأنواع المعتبرة في هذا الباب اتخاذ القرابين وإراقة الدماء، فقال: “ إنه لما دلت التجارب عليها وجب المصير إليها “ (732)، بل قال بتعظيم المزارات والقبور وأن الدعاء عندها فيه فائدة فقال في معرض ذكره لحجج القائلين بأن النفس جوهر روحي مفارق ـ وهو ما رجحه في كتابه هذا ـ: “ الحجة الثالثة: جرت عادة العقلاء بأنهم يذهبون إلى المزارات المشرفة، ويصلون وتصدقون عندها، ويدعون في بعض المهمات فيجدون آثار النفع ظاهرة، ونتائج القول لائحة، حكي أن أصحاب أرسطو كانوا كلما صعبت عليهم مسألة ذهبوا إلى قبره وبحثوا فيها كانت تنكشف لهم تلك المسألة، وقد يتفق أمثال هذا كثيراً عند قبور الأكابر من العلماء والزهاد في زماننا، ولولا أن النفوس باقية بعد البدن، وإلا لكانت تلك الاستعانة بالميت الخالي من الحس والشعور عبثاً، وذلك باطل “ (733).

هذه أقوال هذا الإمام الذي يقتدي به الكثيرون، ولعل الرازي قد تاب من ذلك قبل وفاته ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونعوذ به من زيغ القلوب، ونسأله الثبات على دينه الحق إلى أن نلقاه.

4ـ ومن المسائل التي كان قوله فيها مضطرباً، وكثيراً ما يميل فيها إلى أقوال الفلاسفة، مسألة النبوة، وخصائص النبي (734).

رابعاً: تصوف الرازي:

تصوف الرازي قريب مما انتهى إليه تصوف الغزالي، فهو تصوف فلسفي، يقوم على أن التجرد بالرياضة مع العلم والفلسفة يقودان إلى الكشوفات المباشرة (735)، ولذلك حين يدلل على مذهبه في بقاء النفس الذي وافق فيه الفلاسفة يذكر منها: “ أن عند الرياضات الشديدة يحصل للنفس كمالات عظيمة وتلوح لها الأنوار وتنكشف لها المغيبات “ (736)، ولما وصل إلى النمط التاسع في الإشارات والتنبيهات وهو في “ مقامات العارفين “، قال الرازي في شرحه: “ هذا الباب أجل ما في هذا الكتاب، فإنه رتب علوم الصوفية ترتيباً ما سبقه إليه من قبله ولا لحقه من بعده “ (737)، وقال معلقاً على كلامه في التفريق والجمع ـ وهما من اصطلاحات الصوفية ـ: “ لقد وفق المصنف في هذا الفصل حتى جمع في هذه الألفاظ القليلة جميع مقامات السالكين إلى الله، واعلم أن السالكين إلى الله تعالى لا بد وأن يتكلفوا الإعراض عن لذات الدنيا وشهواتها، ولا يزالون في كلفة وتكلف من ذلك إلى أن يزول عن قلبهم حبها والميل إليها، وهو الدرجة الثانية إلا أن منتهى سعيهم وثمرة اجتهادهم ليس إلا محو ما سوى الله عن القلب ... [ثم يذكر الدرجة الثالثة والرابعة، ثم يقول] فهذه درجات التخلية وهي في لسان الحكمة درجات الرياضات السلبية، وفي لسان محققي الصوفية درجات التخلق بنعوت، وأما درجات الرياضات الإيجابية المسماة عند المحققين بالترقي في مدارج الكمال فهي التخلق بأخلاق الله بقدر الطاقة البشرية ... وقد اتفقت كلمة العارفين على أن مقامات السالكين إلى الله لا تخلو عن الفرق والجمع، وأما الفرق ففيما سوى الله، وأما الجمع ففي الله ... “ (738)، ويرى الرازي أن المريد إذا لم يكن عالماً فلا بد له من شيخ محقق (739)، كما يرى أن السماع له آثار جيدة في تحريك القلب ورياضته (740).

وأبرز الكتب التي ذكر فيها أموراً كثيرة تتعلق بالتصوف كتابه في شرح أسماء الله الحسنى الذي سار فيه على طريقة القشيري والغزالي في كتابيهما عن أسماء الله، وذلك في ذكر الاسم ومعناه ثم ذكر حال الصوفية والشيوخ مع هذا الاسم ودلالته عندهم، ولما ذكر الدعاء وأنه أعظم مقامات العبودية دلل على ذلك بأدلة منها “ أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولاً بغير الله فإنه لا يكون دعاؤه خالصاً لوجه الله، فإذا فنى عن الكل وصار مستغرقاً في معرفة الأحد امتنع أن يبقى بينه وبين الحق وساطة “ (741)، وأطال القول في تفسير “ هو “ وذكر أن له هيبة عظيمة عند أرباب المكاشفات (742)، ويقول: “ إن لفظ هو ... نصيب المقربين السابقين الذين هم أرباب النفوس المطمئنة وذلك لأن لفظ هو إشارة، والإشارة تفيد تعين المشار إليه بشرط أن لا يحضر هناك شيء سوى ذلك الواحد “ (743)، ويقول عن موسى والخضر، ومعلوم اعتقاد الصوفية في الخضر: “ ثم إن موسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم ليعلم موسى عليه السلام أن كمال الدرجة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير