تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتقطع على حقائق الأمور “ (744).

وإذا أضيف إلى كلامه هنا ما سبق أن ذكره حول النفوس المجردة يتبين أن تصوفه بناه على جوانب فلسفية قريبة مما ذكره ابن سينا وقد سبقت الإشارة إلى مدى إعجاب الرازي بأقواله في ذلك.

على أن مما يلفت الانتباه في تصوف الرازي ـ والصوفية تقول بالجبر في القدر لاستغراقهم في توحيد الربوبية ـ أنه صرح بالقول بالجبر فقال: “ فثبت بهذا أن أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الإنسان مضطر باختيار، وأنه ليس في الوجود إلا الجبر “ (745)، وقال: “ إن صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت تلك الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازماً “ (746)، بل قال في شرح الإشارات: “ إن العارف لا يكون له همة في البحث عن أحوال الخلق، ولا يغضب عند مشاهدة المنكر لعلمه بسر الله في القدر “ (747)، وبذلك يلتقي مع غلاة الصوفية في مقالاتهم الخطيرة، وأحوالهم المبطلة للشرائع.

خامساً: حيرته وتناقضه، ورجوعه:

يعتبر الرازي من أكثر الأشاعرة اضطراباً في أقواله، وهذا بالنظر إلى مجمل أقواله في جميع كتبه، ومن يتتبع الدراسة التي قام بها الزركان يرى ذلك واضحاً في كل مسألة من المسائل التي ذكرها، وهي كثيرة جداً، كما أنه في بعض المسائل أعلن حيرته أو شكه، وفي آخر أمره رجع إلى طريقة القرآن وفضلها، ولعل من أسباب هذه الأمور في منهجه خوضه في المسائل الفلسفية والكلامية، وتقريره لكل مسألة بالأدلة التي أوردها أصحابها وزيادته على ذلك بأدلة من عنده يرى أنها تصلح أن تكون دليلاً لهم، ولذلك قال في مقدمة المباحث المشرقية بعد أن بين أنه لخص أقوال الفلاسفة واجتهد في تحريرها: “ ثم نضم إليه أصولاً وفقنا الله إلى تحريرها وتحصيلها وتفصيلها مما لم يقف عليه أحد من المتقدمين ولم يقدر على الوصول إليه أحد من السالكين “ (748)، ويقول في نهاية العقول عن سبب تأليفه: “ وكثر إلحاحهم عليّ بتصنيف كتاب في أصول الدين مشتمل على نهاية الأفكار العقلية، وغاية المباحث العلمية، صنفت هذا الكتاب بتوفيق الله تعالى لي بحق ملتمسهم، وأوردت فيه من الحقائق والدقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين، والسابقين واللاحقين، من المحالفين والمخالفين، والمرافقين والمفارقين “ (749)، ثم ذكر كيف أنه يستقصي أدلة كل مذهب ويورد الأسئلة والجوابات ويتعمق في بحار المشكلات “ على وجه يكون انتفاع صاحب كل مذهب بكتابي هذا ربما كان أكثر من انتفاعه بالكتب التي صنفها أصحاب ذلك المذهب “ (750)،بل إنه ذكر أنه إذا لم يجد دليلاً لأصحاب ذلك المذهب استنبط أقصى ما يمكن أن يقال في تقريره (751).

وهذه الأمور ـ في منهجه ـ لا شك في تأثيرها على أسلوبه في الوصول إلى الحقائق في كل مسألة، وهي مفسرة لهذا التناقض والشك والحيرة في كتبه، وقد تكون هناك أسباب أخرى.

وبروز هذه الجوانب في كتبه ومنهجه واضح، ومع ذلك فيمكن الإشارة إلى ما يلي:

أ ـ كثيراً ما يأتي الرازي بعبارات الشك والإشكال والحيرة، فمثلاً يقول في مسألة حدوث العالم وأنه ليس من شرطه أن يكون مسبوقاً بالعدم قال بعد ذكر الأدلة “ وعلى هذه الطريقة إشكال “ ثم ذكره وقال: “ فقد بطلت هذه الحجة، فهذا شك لابد وأن يتفكر في حله “ (752)، ويقول في مسألة أخرى: “ ولكن لابد من فرق بين البابين، وهو مشكل جداً “ (753)، وفي الأربعين قال حول دليل حدوث العالم: “ هذا مما نستخير الله فيه “ (754)، وقال: “ هذا سؤال صعب وهو مما نستخير الله فيه “ (755)، وقال: “ الحيلة ترك الحيلة “ (756)، وفي نهاية العقول ذكر إشكالات حول منع حلول الحوادث (757)، وتوقف في مسألة الجوهر الفرد (758)، بل توقف في كتابه المباحث المشرقية حول مسألة فلسفية (759).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير