ثم سلكَ منهجًا قائمًا على ثنائية "النقض" و"التأسيس"، أي نقض الآراء المخالفة له، فإذا ما سَلِمَ له النقض كما يعتقد، قام بتأسيسِ رأيه الذي يرى أنه الصحيح والصواب، فالنقض اشتمل على أربعة أدلة –تقريبًا، ودليل الإثبات اشتمل على ثلاث عشرة دليلاً أو نقطة تقريبًا. ونحن هنا سوف نعرض للنقض أولاً ثم التأسيس، منوعين بين التفصيل و الإيجاز حسب الحاجة.
الطريق الأول [النقض]: يمكن أن نلخصه تحت اسم [البرهان القشيري].
اجتهد د. لطف الله في نفي أن تكون كلمة (الصوفية) مشتقة من لبس (الصوف)، وقد أسَّسَ برهانه على دعوى أن المتصوفة لم يشتهروا بلبس الصوف، وعمدته نصٌ قاله إمام التصوف "عبدالكريم القشيري" في كتابه الشهير "الرسالة" حيث زعم أنَّ الصوفية لم يختصوا بلبس الصوف لمحاولة تبرير زعمه أن اللفظة غير مشتقة.
ومدار أدلة الأخ خوجة على أربعة، كما يلي:
(1) النص: قال القشيري: (القوم –أي المتصوفة- لم يختصوا بلبس الصوف).
قال الأخ لطف الله: (عدم الاختصاص يعني انتفاء النسبة ما بين التصوف والصوف).
ويقول أيضًا: (إذن النتيجة المهمة هنا: أن القوم لم يختصوا بلبس الصوف).
وقال: (وهذه شهادة خطيرة، فيها نقض لقول من ادعى أن الصوفية اشتهروا بلباس الصوف، شهد بها إمام عارف من أئمة الصوفية المتقدمين).
وقال: (كان علة ذلك، كما ذكر القشيري: أن القوم لم يختصوا ولم يشتهروا به).
وقال فزاد: (فالصوفية لم يُعرفوا بهذا اللباس، لا قديما ولا حديثاً).
وقال عنهم أنهم: (أعرضوا عن لبسه، فلم يتميزوا به).
كل هذه النتائج ولَّدها د. لطف الله من ذلك النص الصغير الذي ذكر فيه القشيري أن الصوفية "لم يختصوا بلبس الصوف".
(2) سلامة الدليل [البرهاني-القشيري] من المعارضة والرد:
بعد أن شيَّد الأخ لطف الله بنيان برهانه على ذلك النص العابرِ، واستنبط منه تلك النتائج الكبار، زاد في التأكيد والتثبيت، فذكر أن هذا النص قد سلم من الرد والمعارضة، ولذا فهو حقيقة مسلم بها ودليلٌ برهانيٌ!
يقول الأخ د. لطف الله: (ومما يعطي الشهادة قيمة أكبر، أنا لم نسمع بإمامٍ صوفيٍّ انبرى للرد عليه وإبطال زعمه هذا، فسكوتهم دليل موافقتهم له، ويبعد أن يكونوا غير مطلعين على كتابه، بل يستحيل، فكتابه "الرسالة" من أشهر كتب التصوف، فمن الذي لا يعرفه من الصوفية؟!).
وقال: (وهذه شهادة مهمة كونها صادرةً من إمامٍ متفقٍ عليه. وكونه لم يرد أحد كلامه هذا، ولم يعارضه أحد، لا من معاصريه، ولا من أتى بعده، فهل يعقل أن يكذب في شهادته، أو يخطئ، ثم يسكت عنه جميعهم، من أولهم إلى آخرهم، مع ظهور المسألة، وعدم خفائها؟).
وزاد، فقال: (لم يعترض أحد من المتصوفة بإنكار على هذا التقرير، لا من المعاصرين لهما، ولا من اللاحقين. أفلا يدل هذا على إقرارهم وتسليمهم بهذا التقرير؟).
(3) الدليل [العاضد] من كلام إمام الصوفية الهجويري:
بعد أن أقام د. لطف الله أساس برهانه على نص القشيري، وَجَدَ ما يَشُدُ من أزره ويعضده، وهو كلام الهجويري في كتابه "كشف المحجوب".
قال لطف الله: (بل سايره على هذا الرأي، ووافقه: إمام آخر معاصر له هو الهجويري).
وقال: (الهجويري كذلك أنكر النسبة إلى الصوف).
(4) دليل خلو تعريفات الصوفية من الصوف:
ثم عضد د. لطف الله رأيه بأن تراث الصوفية حتى منتصف القرن الخامس يكاد يخلو من ذكر الصوف. يقول لطف الله: (المتتبع والدارس تعريفات المتصوفة الأولين، المؤسسين، منذ بداية التصوف، وحتى منتصف القرن الخامس يلحظ خلوَّها من ذكر الصوف، إلا تعريفا يتيماً أو تعريفين من بين حوالي ثمانين تعريفاً، .. فلو كانت النسبة صحيحةً، فلم أعرضوا عن ذكره في هذه التعريفات؟!).
[التعليقات النقديَّة على أدلة د. لطف الله النقضيَّة]
ما ذكرتُهُ هو لبُّ وزبدة أدلة الأخ لطف الله، وهو قد طالب –سابقًا ومرارًا- بالأدلة البرهانية وترك الأدلة الخطابية. ولذا فنحن هنا لتقييم مدى كونها أدلةً فضلاً عن كونها برهانيَّةً.
(1) تقييم البرهان الأول:
أرتكزَ الدليل الأول والأهم –عند الأخ لطف الله- في إنكار النسبة الشهيرة بين التصوف والصوف، على النص السابق الذي قاله القشيري.
¥