ومن نظر في كثير مما يزعمه المتصوفة كرامات للأولياء يجدها من هذا الجنس (38).
فاعتقاد ذلك مخالف لاعتقاد السيادة لله ـ تبارك تعالى.
3 - وجوب إفراده ـ جل وعلا ـ بالعبادة، فإنه إذا كان سيد كل شيء وربه ومليكه وخالقه ورازقه، وكل شيء تحت تصرفه وتقديره، فإنه يمتنع حينئذ أن يعبد غيره، أو يسأل غيره، أو يرجى غيره، أو يتوكل على غيره â لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض ? (39).
فمن صرف شيئا من أنواع العبادة من توكل ودعاء واستغاثة واستعانة وذبح ونذر وحلف وغير ذلك، فقد خالف مقتضى هذه السيادة، وجعل السيادة لغير الله ـ تعالى ـ.
وكثير من الناس في هذا العصر قد صرفوا كثيرا من أنواع العبادة لغير الله ـ تعالى ـ وهم ـ بزعمهم ـ يعتقدون أنهم فعلوا ذلك لهذا الأمر، وحال هؤلاء حال من قال الله - تعالى - فيهم {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ? (40) ومن أخبر الله ـ تعالى ـ عنهم بقوله: â أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ? (41).
فالمشركون الأوائل ما عبدوا غير الله إلا لأجل أنهم يعتقدون أنهم ليسوا أهلا لعبادة الله ـ تعالى ـ من غير واسطة.
4 - وجوب إفراده ـ جل وعلا ـ بالأسماء الحسنى والصفات العلى، كما قال ـ تعالى ـ: â لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? (42)، وكما قال ـ تعالى ـ: â وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? (43)، وقال ـ تعالى ـ: â اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (44) ?، وقال ـ تعالى ـ: â وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ? (45)، وقال ـ تعالى ـ: â رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? (46) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا الأمر.
وعليه، فالمعطلة الذين يعطلون الله ـ تعالى ـ عما ثبت له من الأسماء الحسنى والصفات العلى، ماقالوا بسيادة الله ـ تعالى ـ لأن تعطيله عنها إثبات للنقص، والنقص ينافي السيادة أو كمالها.
والممثلة الذين مثلوا الله ـ تعالى ـ بخلقه، ما أثبتوا السيادة لله ـ تعالى ـ لأن التمثيل بالخلق نقص، إذ الخلق سمته النقص.
5 - وجوب جعل شرعه هو الحاكم والسيد على كل أمر، فالحكم لله ـ تعالى ـ وحده، فالأمر أمره، والنهي نهيه، وأما التحاكم إلى غيره، فهو قدح في هذه السيادة.
فمن جعل غير شرع الله حاكما يتحاكم إليه، فقد اتخذ سيدا غير الله، فالذين يجعلون العقول حاكمة على شرع الله ـ تعالى ـ ماقدروا هذه السيادة حق قدرها، والذين يتحاكمون إلى القوانين الوضعية الشيطانية، أعطوا هذه القوانين السيادة، والذين يقدمون آراء الرجال، ويقلدون الآباء والشيوخ والأحبار والرهبان، ما جعلوا الله ـ تعالى ـ سيدا، وإنما جعلوا السيادة للمتبوعين.
قال ـ تعالى ـ مخبرا عن أهل النار: â وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ? (47)
قال ـ تعالى ـ: â اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ?.
وقال ـ تعالى ـ: â أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله ? (48).
وقال ـ تعالى ـ: â أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ?.
إلى غير ذلك من الآثار الجليلة التي دل عليها هذا الاسم.
المبحث الرابع: حكم دعاء الله ـ تعالى ـ بـ" ياسيدي "
كره الإمام مالك (ت 179) ـ رحمه الله تعالى ـ الدعاء بهذا اللفظ (49)، وقال: ((إنما في القرآن {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ ?، ما في القرآن أحبُّ إلي؛ ودعاءُ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ)) (50).
¥