تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الاستدلال على جواز سوء الأدب بقوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، فلا يدل على الجواز؛ لأن هذا إخبار منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عما فضله الله به على البشر، تحدثا بنعمة الله ـ تعالى ـ عليه، عملا بقوله: â وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ? (80). . .)) (81)

6 - حمل النهي عن اتخاذ ذلك عادة شائعة؛ لأنها ربما أورثت كبرا، وحمل الجواز على استعمال ذلك في النادر (82).

وهذا القول متعقب بتوجيه النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المماليك إلى قول ذلك، ومعلوم أن كون المماليك يقولون ذلك، يعني أنه سيكون عادة شائعة.

المناقشة والترجيح:

بعد النظر في الأقوال السابقة وأدلة كل فريق ظهر لي جواز إطلاق ذلك على المخلوق بشروط:

أحدها: عدم إرادة أي معنى من معاني الربوبية أو الألوهية، فإذا أريد شيء من ذلك فلا.

ومن ذلك: أن يلمح في هذا اللفظ معنى السيادة العامة على جميع الخلق.

وبه يوجه قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما خوطب بالسيادة: ((السيد الله))، فإنه لما كان التعريف بأل يفيد ذلك، منع من ذلك، ووجههم لما هو أحسن.

وأما إذا لم يلمح ذلك فلا مانع من إطلاقه؛ لإطلاق القرآن ذلك في حق يحيى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ ولإطلاقه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هذا اللفظ على بعض الناس، كما في الأحاديث السابقة.

قال الشيخ حسين (ت1224) وعبد الله (ت 1243) ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ: ((قول: سيدي ونحوه، إن قصد به أن ذلك الرجل معبوده الذي يدعوه عند الشدة لتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، فإن ذلك شرك أكبر، وأما إن كان مراده غير ذلك، كما يقول التلميذ لشيخه: سيدي، أو يقال للأمير والشريف، أو لمن كان من أهل بيت رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: هذا سيد، فلا بأس به، ولكن لا يجعل عادة وسنة بحيث لا يتكلم إلا به)) (83).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (ت 1292) ـ رحمه الله تعالى ـ لما سئل عن حكم إطلاقه على المخلوق: ((هذه الألفاظ تستعملها العرب على معان كسيادة الرئاسة والشرف ... فإطلاق هذه الألفاظ على هذا الوجه معروف لا ينكر، وفي السنة من ذلك كثير، وأما إطلاق ذلك في المعاني المحدثة كمن يدعي أن السيد هو الذي يدعى ويعظم ... فهذا لا يجوز، بل هو من أقسام الشرك)) (84).

وقال الشيخ محمد بشير السهسواني (ت 1326) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((فالنهي عن إطلاق السيد والمولى على غير الله محمول على السيد والمولى بمعنى الرب، والرخصة محمولة عليهما بمعنى آخر من سائر المعاني)) (85).

ويقول صديق حسن خان (ت1307) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((ولفظ السيد له معنيان:

أحدهما: أن السيد هو الذي يكون مالكا مختارا بنفسه وحده، ولا يكون محكوما عليه من أحد، بل يكون حاكما مستقلا بذاته كشأن الملوك في الدنيا، فهذا الأمر إنما هو شأن الله ـ تعالى ـ ليس غيره سيدا بهذا المعنى.

وثانيهما: أن السيد رعوي لآخر، ولكن له فضل على عامة الرعايا، ممتاز منهم بالمزايا، ينزل إليه حكم الحاكم أولا، ثم يبلغ إليهم من لسانه وبواسطته ... فالنبي بهذا المعنى سيد لأمته، والإمام سيد أهل عصره ... فإن هؤلاء الكبار يتمسكون بحكم الله ـ تعالى ـ أولا بأنفسهم، ثم يبلغونه إلى أصاغرهم ويعلمونهم.

وهكذا نبينا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سيد أهل العالم أجمعهم وأكتعهم وأبصعهم، ومرتبته عند الله ـ عز وجل ـ أعلى من الجميع، وأكبر من الكل، وهو ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أقوم الخلق، وأكبرهم في القيام بأحكام الله ـ تعالى ـ وكل الناس محتاجون إليه في تعلم سبل الله وشرائعه.

وعلى هذا يصح أن يقال له: سيد العالم، بل يجب أن يعتقد فيه هذه السيادة العامة الشاملة للجميع

وأما بناء على الأول، فليس هو ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سيد نملة واحدة، فضلا عن غيرها؛ لأنه ـ عليه السلام ـ لا يقدر على التصرف في نملة من تلقاء نفسه)) (86).

ثانيها: كون الموصوف بذلك أهلا للسيادة، أما إذا لم يكن أهلا لها فلا.

ودليل هذا: حديث النهي عن القول للمنافق ياسيد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير