الوجه السابع إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء بمسمياتها في
كلام عار عن القرينة، وقد تقدم مثل هذا لكن من القرآن في أمثلة القردة و
الزيتون وغيرها.
فإخباره عن هذه المسميات دون قرينة تدل على أن معاني هذه
الأسماء معهودة عند السامعين.
الوجه الثامن التعريفات القرآنية، فتجد القرآن يعرف الأشياء فيذكر
الشيء باسمه دونما قرينة أو سياق يدل عليه ثم يبين ما هو.
أي أنه يعرفه مجردا مطلقا عن كل قيد.
أي أن الأذهان خارج التركيب تنصرف إليه ويتبادر هو إليها.
كقوله تعالى:
((لينبذن في الحطمه وما أدراك ما الحطمة)) ثم يبينها بقوله:
((نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة))
فلو كان الذهن لا ينصرف للشيء عند ذكر اسمه مطلقا من
القرائن والقيود لما قال الله تعالى ((وما أدراك ما الحطمه))
فدل إطلاقه ل ((الحطمه)) أنها تنصرف في أصل وضعها إلى هذا الشيء الذي
فسره الله تعالى بعد ذكرها، فإن ذكر شخص الحطمة في كلام، ولم يكن
السياق دالا على المراد و لا قرينة في الكلام، فإن السامع الذي تقدم له معرفة
معنى هذه الكلمة يفهم المراد، كقول القائل: أبو لهب في الحطمه.
والأمثلة كثيرة في القرآن حيث تجد ربنا سبحانه وتعالى يذكر اسما لبعض
المسميات عار عن كل قرينة ثم يفسره، كقوله تعالى ((القارعة)) و
((الحاقة)) و غيرها، فيذكر الاسم مطلقا من القرائن و السياق ثم يفسره.
فإن جاء متكلم وذكر اسم ((الحاقة)) أو ((القارعة)) في كلامه لتبادر إلى
الذهن المعنى الذي جعله الله لهاتين الكلمتين ولو بغير قرينة ولا سياق.
ومثل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الصحابة
(وما الرويبضة يا رسول الله) فقال عليه الصلاة و السلام
(الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)
فلو لم يكن هذا الاسم المجرد دالا على معنى في نفسه لم يستقم هذا السؤال.
ولو لم يكن هذا الاسم المجرد دالا على معنى في نفسه لم يحصره النبي صلى الله
عليه وسلم في هذا المعنى دون غيره من المعاني.
وهكذا حين سأل الصحابة عن المفلس، وقال:
(أتدرون من المفلس)
فقالوا ما معناه (المفلس فينا من لا درهم له و لا دينار).
وهذا يعني أن هذا اللفظ مجردا من كل قرينة وسياق يتبادر معناه إلى أذهانهم،
بغض النظر عن كونهم إصابوا أو أخطأوا. ثم بينه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقوله بعد ذلك، وفي كل هذا دليل كالشمس على أن الألفاظ مجردة
عن القرائن تدل على مسمياتها وتتبادر معانيها إلى أذهان من سبق له العلم
بها.
الوجه التاسع: أن كثيرا النصوص الشرعية المتعلقة بالأحكام ترد فيها أسماء
لمسميات لا يسعف السياق في معرفتها ولا قرينة تعين على ذلك كقول الله
تعالى:
((حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ..... إلى أن قال سبحانه
... والمنخنقة و المتردية و النطيحة)) فكل هذه أسماء لمسميات لا يمكن
معرفتها إلا على القول بدلالة الاسم على المسمى مجردا عن القرائن الدالة
عليه.
والصحابة لم يكونوا ممن يكثر السؤال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
، خصوصا عن مثل هذه الأمور الواضحة مثل الكلب و الخنزير و الحمار و
الزيتون و التين و النخل والمنخنقة والموقوذة و المتردية و النطيحة وغيرها مما
يعرفه كفار العرب فضلا عن المسلمين، فإنما نزل القرآن بلسان العرب،
فكيف لا يتبادر معنى (الحمار) و (المنخنقة) إلى أذهانهم إن سمعوا ذلك!!
هذا والله أعجب العجب!!!
وفي القرآن و السنة أحكام تعلقت بمسميات، لولا أن هذه الأسماء دلت على
نفسها بنفسها لكان الحكم تكليفا بمجهول لا يُعرف إلا بالوحي، فلما لم
يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن معاني هذه الكلمات، عرفنا أن العربي
يفهم المراد بهذه الأسماء ولو من غير سياق ولا القرينة لأنها تدل على نفسها
بنفسها!
فتجد الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الكبائر في حديث ولا يفسرها وإنما
يسردها الواحدة تلو الأخرى من غير سياق و لا قرينة تدل عليها، ولولا أنها
دلت على نفسها بنفسها لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بيانها.
فإن دلالتها على نفسها أغنت عن السياق والقرينة.
الوجه العاشر أن اللغويين ألفوا القواميس والمعاجم لبيان وإيضاح كلمات
تكلم بها العرب.
وكانوا بذكرون هذه الكلمات مفردة بغير قرينة تدل عليها إلا نفسها، فتجد
مثلا قول ابن فارس في معجم المقاييس:
فالخمر الشراب المعروف قال الخليل: الخمر: معروفة.
وهكذا تجدهم يقولون في ما يعرف بالبديهة ويتبادر معناه من اسمه
فيقولون: معروف، ولا يتكلفون بيانه وتفسيره!
وليس يصح في الأذهان شيئ ... إذا إحتاج النهار إلى دليل
أترى اللغويين أصحاب القواميس و المعاجم وغيرهم ممن تعرض لبيان ألفاظ
العربية، أتراهم أخطأوا وكان عليهم بيان معنى الخبز و الرمان و الشمس
والقمر والخمر و السيف و الفرس و السماء و الأرض و النعل والحرير
والفضة و الذهب وغيرها!!!
اللهم لا.
لكل هذا أقول مستيقنا أن الأسماء إذا تجردت عن القرينة و السياق الدال
عليها فإنها تنصرف إلى مسمياتها التي عهدها الناس أنها هي في أصل الوضع،
فإن دل الشرع أن المقصود غير هذا الذي ذهب إليه الناس فإن الملك لله و
التسمية لله سبحانه كما يقول ابن حزم رحمه الله يسمي ما يشاء بما يشاء ليس
للعباد أن يستدركوا عليه بل نقول سمعا وطاعة.
وقول النفاة إن الأسماء لا تتبادر إلى الذهن مسمياتها قول مخالف لما عهدته
العرب ولما جاء في القرآن والسنة وهو مع هذا مخالف لصريح المعقول ولما
اتفق عليه العقلاء من كل الالسن، ليس فقط لسان العرب.
ولي عودة إن شاء الله تعالى للرد على بقية المسائل التي اعتمد عليها النفاة في مذهبهم.
بارك الله فيكم ونفع بكم ورزقنا الصدق و الاخلاص.
¥