تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأبا يعقوب البويطي خليفة الشافعي وابن الحكم وغيره." [164]

وكان من أشد الناس تعذيباً للمخالفين وتحمساً للقول بخلق القرآن، أحمد بن أبي داود قاضي القضاة ومحمد بن أبي الليث قاضي مصر في أيام المعتصم والواثق. قال ابن قديد: "ورد كتاب المعتصم على هارون بن عبد الله – قاضي مصر – بحمل الفقهاء في المحنة فاستغنى هارون من ذلك فكتب ابن أبي داود إلى محمد بن أبي الليث يأمره بالقيام في المحنة وذلك قبل ولايته القضاء وكان رأساً في القيام بذلك فحمل نعيم بن حماد والبويطي وخشنام المحدث في جمعٍ كثيرٍ سواهم." [165] وقال عليّ بن عمرو بن خالد: "لما استخلف الواثق ورد كتابه على محمد بن أبي الليث بامتحان الناس أجمع، فلم يبقَ أحد من فقيه ولا محدث ولا مؤذن ولا معلم حتى أُخذ بالمحنة، فهرب كثير من الناس، وملئت السجون ممن أنكر المحنة، وأمر ابن أبي الليث بالاكتتاب على المساجد "لا إله إلا الله رب القرآن المخلوق" فكتب بذلك على المساجد فسطاط مصر، ومنع الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي من الجلوس في المساجد، وأمرهم ألاَّ يقربوه." [166]

واستمرت المحنة حتى تولى الخلافة المتوكل؛ فأظهر الله السنَّة وفرج عن الناس [167]. قال الذهبي: "وفي سنة 234هـ أظهر المتوكل السنَّة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار واستقدم المحدثين إلى سمراء وأجزل صلاتهم ورووا أحاديث الرؤية والصفات." [168] وقال ابن الجوزي: "وفي سنة 407هـ استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتَّعظ بن أمثالهم." [169]

الإمام أبو حنيفة ثاقب البصيرة، وقد علم بشر المعتزلة ولعنهم، فقد لعن الإمام أبو حنيفة عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء إمام الإعتزال؛ فقد روى الهروي عن محمد بن الحسن قال: "قال أبو حنيفة: لعن الله عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام." [170] وقال الإمام أبو حنيفة عن المعتزلة: "لم يكن في طبقات أهل الأهواء أحد أجدل من المعتزلة؛ لأن ظاهر كلامهم مموه تقلبه القلوب." [171] وأنكر عليهم إبطالهم للصفات حيث قال: "ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه أبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف." [172] ورد عليهم قولهم: إن القرآن مخلوق؛ حيث قال: "وكلام الله تعالى غير مخلوق." [173] وقرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنَّة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه؛ حيث قال: "وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية." [174]

أما الصاحبان فأبو يوسف كان يرمي المعتزلة بالزندقة [175]، وأما محمد بن الحسن فيوصي من صلَّى خلف المعتزلي بإعادة صلاته [176] ويرى أن المعتزلي لا تجوز الصلاة عليه [177]. وبالجملة فكتاب الإمام أبو حنيفة "الفقه الأكبر" رد على الجهمية والمعتزلة فيما أنكروا من أسماء الله تعالى وصفاته، فقد ضمنه جملة من الصفات الإلهية التي وردت في الكتاب والسنَّة الصحيحة.

خامساً: الحنفية من المرجئة:

المرجئة والخوارج فرقتان متقابلتان في الإيمان، فالخوارج تعد كل كبيراً كفراً سواء كفر نعمة أو كفر شرك، فجاءت المرجئة فأعلنت أن الإيمان هو المعرفة [178] فقط. وهؤلاء معروفون بمرجئة الجهمية، وبعضهم قالوا: "إن الإيمان هو إقرار باللسان [179]، وهم مرجئة الكرامية، وبعضهم زعموا أن الإيمان: هو تصديق فقط [180]. وذهب جمهورهم [181] إلى أن الإقرار شرط لإجراء الأحكام الدنيوية وهؤلاء معروفون بمرجئة الماتريدية. وقال بعضهم: إن الإيمان هو التصديق والإقرار [182]. وهؤلاء معروفون بمرجئة الفقهاء. وسموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان."

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير