تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يكن في زمن الإمام أبي حنيفة إلا مرجئة الكرامية ومرجئة الفقهاء، فكان الإمام أبو حنيفة يرد على من يقول: إن الإيمان هو المعرفة، وأن أهل القبلة لا يدخلون النار مهما اقترفوا من المعاصي، وزعموا أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة [183]: "ونقول: إن المؤمن لا تضره الذنوب، لا نقول: إنه لا يدخل النار ... ولا نقول إن حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة." [184]

مع هذا فأبو حنيفة عنده شيء من الإرجاء الخفيف، وهو من مرجئة الفقهاء، غير أنه بريء من بقية أنواع الإرجاء. ولقد تبرأ الإمام أبو حنيفة ممن نسب إليه الإرجاء؛ فقال في رسالته إلى البتي: "وأما ما ذكرت من اسم المرجئة فما ذنب قوم تكلموا بعدل، وسماهم أهل البدع بهذا الاسم، ولكنهم أهل عدل وأهل السنَّة وإنما هذا اسم سماهم به أهل الشنآن." [185] وإنما قال ذلك بناء على مفهوم الإرجاء عنده، وهو مذهب غلاة المرجئة الذين يجعلون الإيمان: هو المعرفة؛ فلا يضر معه ذنب. والمسائل الخلافية بين مرجئة الفقهاء وبين بقية أهل السنَّة يرجع إلى خلاف لفظي في بعض المسائل المتنازع فيها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنه لم يكفر أحد، من السلف من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنَّة هو الصواب." [186] ويقول: "ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنَّة في هذه المسألة هو نزاع لفظي، وإلاَّ فالقائلون بأن الإيمان قول من فقهاء – كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم – متفقون مع جميع علماء السنَّة أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد وإن قالوا: إن إيمانهم كما كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب كما تقوله الجماعة. ويقولون أيضاً: إن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة." [187]

فإن بين مرجئة الفقهاء، ومنهم الإمام أبو حنيفة، وبين بقية أئمة السنَّة قدراً مشتركاً وقدراً مفترقاً. فأما القدر المشترك فهو:

1) أن الإيمان مركب وليس بسيطاً، كما عليه غلاة المرجئة من الكرَّامية والماتريدية.

2) أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يُنْفى عنه مسمى الإيمان ولا يخلد في النار بل هو مؤمن فاسق.

3) أن الإقرار يزول وقت الإكراه، دون التصديق. [188]

4) أن الاستثناء في الإيمان لا يجوز لأجل الشك.

وأما القدر المفترق فيه:

1) الإيمان عند أبي حنيفة التصديق بالجنان والإقرار باللسان فقط، وأما بقية الأئمة فهو هذان الأمران والعمل بالأركان.

2) أن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان عند أبي حنيفة داخلة فيه عند بقية الأئمة.

3) أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص عند أبي حنيفة ويزيد وينقص عند بقية أئمة السنَّة.

4) لا يجوز الاستثناء في الإيمان عند أبي حنيفة مطلقاً، ويجوز في حال دون حال عند أئمة السنَّة.

لذلك ذهب الغزالي [189] والذهبي [190] وابن أبي العز، إلى القول بأن الخلاف هو خلاف صوري. وفي ذلك يقول ابن أبي العز: "الاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنَّة صوري فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزء من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي، لا يترتب عليه فساد اعتقاد." [191] فليس المقصود النزاع اللفظي الذي لا يترتب عليه خلاف في المعنى، فيكون من قبيل اختلاف التنوع، بل مقصوده أنه نزاع يتعلق بالأسماء وهي من الألفاظ، يدل عليه قول ابن تيمية: " بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنَّة هو الصواب". [192]

ومن الحنفية الذين تلبسوا بعقيدة المرجئة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير