1) بشر بن غياث المريسي المتوفى سنة 228هـ وإليه تنسب المريسية وقد عدَّها بعض كتاب المقالات [193] من فرق المرجئة. قال عنه الإسفراييني: "منهم المريسية أصحاب بشر المريسي ومرجئة بغداد من أتباعه، وكان يتكلم بالفقه على مذهب أبي يوسف القاضي ولكنه خالفه بقوله إن القرآن مخلوق وكان مهجوراً من الفريقين وهو الذي ناظر الشافعي – رضي الله عنه – في أيامه فلما عرف الشافعي أنه يوافق أهل السنَّة في مسألةٍ والقدرية في مسألةٍ قال له: نصفك مؤمن ونصفك الآخر كافر. وكان يقول: الإيمان هو تصديق بالقلب واللسان كما قاله ابن الراوندي. هذه المرجئة المحضة الذين يتبرأون عن القول بالجبر والقدر." [194]
2) محمد بن كرام الجستاني المتوفى سنة 255هـ وإليه تنسب فرق الكرامية وقد عدها بعض كتاب المقالات من المرجئة [195]، فمحمد بن كرام جمع مع بدعة الإرجاء بدعة التجسيم وقد زعم أن الله تعالى له جسم له حد ونهاية [196]. قال عنه الذهبي: "المبتدع شيخ الكرامية، كان زاهداً عابداً ربانياً بعيد الصيت كثير الأصحاب ... كان يقول: الإيمان هو نطق باللسان بالتوحيد مجرداً عن عقد قلب وعمل جوارح. وقال خلق من الأتباع له: إن الباري جسم لا كالأجسام ... وكان الكرامية كثيرين بخرسان ولمهم تصانيف ثم قلوا وتلاشوا نعوذ بالله من الأهواء" [197].
3) محمد بن محمد بن محمود أبو منصور, والمعروف بالماتريدي, نسبة إلى ماتريد محلة بسمرقند فيما وراء النهر. والمتوفى سنة 333هـ، فهو من أئمة علم الكلام, أقام نظرياته في العقائد على المأثور عن أبي حنيفة النعمان, فهو يثبت أدلة الشرع بالأدلة العقلية والمنطقية والبراهين التي لا مجال للشك فيها, وهو يجعل للعقل سلطاناً ولكن تحت ظل النقل, فهم يفسرون النصوص على مقتضى حكم العقل, والماتريديون أقرب إلى المعتزلة منهم إلى الأشاعرة. فمباحث الإيمان من الأمور التي اعتركت الآراء حولها قديماً وحديثاً، والماتريدية لم موقف من الإيمان وافقوا في بعض نواحيه الإمام أبا حنيفة – رحمه الله – وخالفوه في بعضها. اتَّفقت الماتريدية مع أبي حنيفة في أربعة أمور، وهي: إخراج العمل عن مسمى الإيمان وأن الإيمان هو التصديق [198]، عدم زيادة الإيمان ونقصانه [199]، تحريم الاستثناء [200]، عدم تكفير صاحب كبيرة [201]. أما ما خالفت الماتريدية الإمام أبو حنيفة في مفهوم الإيمان، إن مفهوم الإيمان عند الإمام أبي حنيفة مركب من أمرين التصديق بالقلب، والإقرار باللِّسان. فالإقرار باللسان شطر من الإيمان وداخلٌ فيه. أما الماتريديُّ وجمهور أتباعه – لأن بعض الماتريدية ذهبوا إلأى أن الإيمان هو التصديق والإقرار -[202] فقد جعلوا الإقرار باللسان خارجاً عن حقيقة الإيمان، فالإيمان عندهم هو التصديق [203]، غير أنَّهم جعلوا الإقرار شرطاً لإجراء الأحكام الدنيوية فقط [204]. وهذا النَّوع من الإرجاء الغالي.
سادساً: الحنفية من الجهمية:
إن مذهب الجهمية يقوم على أساسين: الأول؛ نفي الصفات عن الله تعالى, والثاني؛ القول بخلق القرآن, فالله تعالى عندهم ليس له صفة غير ذاته, لأن قيام صفات الله تعالى تجعله شبيهاً بمخلوقاته. ولما كان الكلام من صفات الإنسان المخلوق فلا يمكن أن يكون الله متكلماً, لأن من اتصف بصفة الكلام وجب أن تكون له آلة الكلام فيكون مشابها للحوادث, ومحال على الله تعالى مشابهة الحوادث, لأنه قديم أزلي, وهو وحده الخالق ولا يمكن أن يشبه مخلوقاته, وعلى هذا الأساس قالوا بأن القرآن مخلوق, ولو كان قديما لكان شريكا لله في القدم, والله وحده هو الأزلي المختص بالقدم, وأن ما سواه, مهما كانت قدسيته, لا يعلو إلى مرتبة القدم, وكل شيء ما عداه محدث. ونفي الصفات عن الله تعالى تعطيل لها, لذلك يدعى مذهبهم باسم "التعطيل" ويدعون باسم "المعطلة". ويترتب على رأيهم أن الله وحده هو القادر والخالق, ولا يصح للمخلوقات أن تتصف بهاتين الصفتين, وإذا انتفت هاتان الصفتان عن المخلوقات, فلا يمكن أن يكونوا مختارين ولا قادرين على خلق أفعالهم, بل يكونون مجبورين عليها. وهذا هو أساس القول بالجبر الذي اعتمده المعتزلة. ولما كان الله تعالى هو الأزلي الدائم, فإن كل ما عداه فان زائل, وعلى ذلك فإن الجنة والنار في رأيهم تفنيان, لأن ثبات البقاء الدائم لنعيم الآخرة وعذابها فيه مشاركة لله
¥