أما العبارة الثانية: فهي فاسدة كاذبة بلا شك، إذ كل من يعلم أساليب الكلام، يعلم أن هذه العبارة عبارة مصوغة بأسلوب عصري، يستحيل أن يتفوه أحد من السلف بها، فضلاً عن كون إثباتها عنهم: مُحالاً!!
أرجو أن يكون قد اتضح الفرق!!
والآن .. لننظر في هاتين العبارتين:
الأولى: أجمع السلف على أن الله مستو على العرش بذاته.
[أو: (وَأَئِمَّتُنَا كَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَة وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ؛ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ).
أو: (إنَّ أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله استوى بذاته على عرشه).
أو: ( ... حتى إن علماءَهم حكوا إجماعَ أهل السنَّة والجماعةِ على أنَّ الله بذاته فوقَ عرشهِ)].
الثانية: أجمع السلف على إطلاق لفظة: " الله مستو على العرش بذاته ".
[أو: (الإجماع منقولٌ على عدم استنكارِ أحدٍ من السلف لهذه اللفظة، بل اتفقوا على إثباتها)]
هل بينهما فرق؟!!
إن كان قد اتضح الفرق بين تينك العبارتين .. فقد اتضح الفرق بين هاتين!!
والآن:
الدعوى التي ادعيتَها - مجيباً بها سؤال الأخ -: هل هي في إثبات العبارة الأولى أم الثانية؟!
والنقول التي نقلتَها: هل هي في إثبات العبارة الأولى أم الثانية؟!
إن كنت أبصرت معي الفرق .. وتجلى لك: فستقول:
الدعوى التي ادعيتُها في إثبات العبارة الثانية!!
والنقول التي نقلتها في إثبات العبارة الأولى!!
فدعواي في (واد) .. والنقول التي نقلتُها في (واد)!
وإن كنت مصراً على قولك: " ما ذكرناه من نقولٍ هو للفظةِ لا للمعنى ".
فأقول لك: لو أعدت النظر في (دعواك) وفي (نقولك)، وقارنت بينهما مقارنة (سريعة)، سيزول إصرارك ..
وأزيدك:
دعواك التي ادعيتها فسادها كفساد دعوى من ادعى إن السلف أجمعوا على إطلاق لفظة: " الإسلام شامل لجميع شؤون الحياة ": تحمل دليل فسادها معها!!
فإذا نظرنا في عبارة:
" الله مستو على العرش بذاته "
علمنا قطعاً أن أحداً من السلف لم يتفوه بها!
ولا قالها!!
ولا خرجت من (فِيه)!!
لم؟!
لأن استعمال لفظ ((ذاته)) في هذا المعنى استعمال محدث، ولهذه الكلمة عند الفصحاء معنى آخر غير المعنى الذي يستعمله فيها المتكلمون!!
فأنى يكون صحابي أو تابعي أو تابع تابعي قد قالها!!
وقد كفاني الأخ أبو سعد الجزائري مؤونة تقرير ذلك ..
وأزيد أن الشيخ اللغوي محمد سالم ولد عدود رحمة الله عليه قرر ذلك بقوله - في مقدمة نظم مختصر خليل -:
يقال نفسه كما قال: (كتب = ربكم) .. الآية، أما من نسب
ذاتاً له فقد عنى التي له = ملته شرعته سبيله
كمثل ما قال خبيب إذ صلب = وقال نابغة ذبيان الذرب
لأنها تأنيث ذي الملتزم = فيه الإضافة لغير العلم
من ظاهر، قال ابن مالك وقد = ذكر ما يلزم ذو في ذا الصدد
ذو ذات انثاه ذوات الجمع = وجريان الأصل يجري الفرعُ
أرجو أن يكون قد اتضح المراد ..
وبالله التوفيق وعليه الاعتماد
ـ[خليل الفائدة]ــــــــ[21 - 04 - 10, 01:27 م]ـ
الأخ الحبيب (محمد براء):
لا مزيدَ عندي لما قلتُ سلفاً .. أسأل الله أن يمنَّ عليَّ بمزيدِ فَهْمٍ وتؤدة ..
ولعلِّي لا أعودُ لهذا الموضوعِ؛ لجلائه عندي، وهبها حيدةً؛ فلا ضيرَ ..
موفَّقاً دُمْتَ أبا الحسنات.
ـ[محمد براء]ــــــــ[21 - 04 - 10, 01:28 م]ـ
الأخ المكرم أبا العلياء: أنالك الله الرفعة والعلاء:
وشيخ الاسلام نفسه يذكر أن "بعض السلف " قد عاب اطلاق هذه اللفظة وانكرها خوفا من أن تقع العامة في التجسيم الذي هو شر من التعطيل
إن ثبت ما تقول فهو مفيد جداً في بحثنا هنا ..
فليتك توثقه!!
والذي ينبغي أن يجزم به هو أن الائمة الاربعة والسفيانين والاوزاعي و الحمادين وابن المبارك وكذا من هو فوقهم لم تجر هذه اللفظة في وصف الاستواء على السنتهم، ومن نسب اليهم شيئا من ذلك فإنما أراد المعنى لا المبنى
- أحسنت -
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[22 - 04 - 10, 09:21 ص]ـ
كل هذا التهويل والإلزام منك أخي محمد، لم يزدني بشيء مما وقع في نفسي سابقًا.
وحتى لا تفسد المودة التي بيننا، أقول - بعد تأمل طويل-:
معلوم أن الأخ خليل في معرض كلامه عن السلف هو في إثبات الاستواء لله، لا في إثبات السلف للفظ الذات كإثباتهم النفس الواردة في قوله تعالى (كتب ربكم على نفسه الرحمة).
فكما أن الشارع لم يأذن في إثبات هذه الألفاظ له فلم يأذن في نفيها عنه.
ونقض ابن تيمية لكلام المتكلمين في فهمهم للفظ الذات هو في إلزامهم التجسيم في إثبات الذات كما جعلوه في التحيز والجسم والجوهر، فكما جعلو ذلك تشبيهًا وتجسيمًا أراد إثبات ذلك في لفظ الذات على حسب فهمهم للوازم التجسيم.
واستخدام لفظ الذات -في نقض كلام المتكلمين- بأن الصفة زائدة على الذات .. الخ ينسف كل هذا التهويل منك، وهو شيء لم ينقل عن السلف!
حصيلةُ تهويلك هذا كله: أنه لفظي لا يلزم السلف إنكار إطلاقه كما عبّر عنه الأخ خليل، ولا أثر لتهويلك في معنى الجملتين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
¥