ـ[ابو سعد الجزائري]ــــــــ[22 - 04 - 10, 06:24 م]ـ
يقول الشيخ عبد العزيز ال عبد اللطيف في تعليقاته على الاعتقاد القادري/
ومع هذه المزايا - يقصد مزايا الاعتقاد القادري- الا ان بعض الائمة تعقب هذا الاعتقاد. فقد ساق الحافظ الذهبي مآخذ لطيفة لبعض عبارات الاعتقاد.
فقد حكى الذهبي هذه العبارات " كان ربنا عزوجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق "
ثم اعقبها بقوله - قلت - ليته حذف "استواء استقرار "وما بعده. فان ذلك لا فائدة فيه بوجه. والباري منزه عن الراحة والتعب-
الى ان قال - لا يوصف الا بما وصف به نفسه او وصفه نبيه صلى الله عليه وسلم. فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز -
وقال "وكان أيضًا يسعه السكوت عن صفة حقيقة. فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري. وقلنا: تمر كما جاءت، فقد آمنا بانها صفات، فإذا قلنا بعد ذلك، صفة حقيقة وليست بمجاز، كان هذا كلاما ركيكا نبطيًا مغلثًا للنفوس فليهدر، مع أن هذه العبارة وردت عن جماعة، ومقصودهم بها أن هذه الصفات تمر ولا يتعرض لها بتحريف ولا تأويل كما يتعرض لمجاز الكلام. والله اعلم.
وقد أغنى الله تعالى عن العبارات المبتدعة، فإن النصوص في الصفات واضحة، ولو كانت الصفات ترد الى المجاز لبطل أن تكون صفات لله، وإنما الصفة تابعة للموصوف فهو موصوف حقيقة لا مجازًا، وصفاته ليست مجازًا، فإن كان لا مثل له ولا نظير لزم أن يكون لا مثل لها - انتهى كلام الذهبي.
ويمكن أن يستدرك على تعقيب الإمام الذهبي، فيقال: إن قوله "ليته حذف استواء
استقرار" محل نظر، فإن عددًا كثيرًا من أهل العلم قالوا: إن معنى استوى على العرش:
استقر
وقال الحافظ ابن عبدالبر: - الاستواء الاستقرار في العلو، بهذا خاطبنا الله عز وجل-
ولا محذور في تفسير الاستواء بالاستقرار، فإن ذلك لا يوهم نقصًا ولا تمثيلا، بل هذا
المعنى على الوجه اللائق بالله تعالى.
لاسيما وأن تلك العبارة - التي تمنى الذهبي حذفها - قد نقلها أئمة كبار كابن تيمية في كتابه "الدرء" وابن القيم في كتابه "الصواعق المرسلة. وقررا ذلك دون تعقيب.
واما مقالة الذهبي - وكان ايضا يسعه السكوت عن - صفة حقيقية - فاننا اذا اثبتنا نعوت الباري ...... الخ-
فإن الإمام الذهبي لا ينازع ههنا في إمرار نصوص الصفات كما جاءت، بل إنه نفى المجاز في صفات الله تعالى، لكنه يقرر الاقتصار على إثبات الصفات، وأن تمر كما جاءت، ولا حاجة أن يزاد على ذلك فيقال:انها صفة حقيقية؛ لأن ذلك كلام ركيك .....
فهذا التعقيب أقرب ما يكون في اللفظ وصياغة العبارة، خاصًة وأن الذهبي في"تذكرة الحفاظ " قد ساق الجملة نفسها – التي تعّقبها ههنا- ثم قررها قائلا: - نعم لو كانت صفاته مجازًا لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، معنى السمع كذا، ومعنى ا لحياة كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام، فلما كان مذهب السلف إمرارها بلا تأويل، علم انها غير محمولة على المجاز، وانها حق بين-
والمتأمل في تعقيب الإمام الذهبي ههنا، يجد أن ذلك يتفق مع موقفه من الألفاظ التي لم ينص عليها الدليل.
فالذهبي مثلا أورد شعرًا لابن الزاغوني قائلا:
عال على العرش الرفيع بذاته * * * سبحانه عن قول غاوٍ ملحد.
ثم قال الذهبي - "قد ذكرنا أن لفظة "بذاته" لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس،
وتركها أولى".
ويقول – في موضع آخر -: - نقول ينزل، وننهى عن القول ينزل بذاته، كما لا نقول ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة. والله اعلم -
ولما أورد الذهبي مقالة بعض السلف في مسألة إثبات الحد لله تعالى، قال: - الصواب الكف عن اطلاق ذلك، اذ لم يات فيه نص ولو فرضنا أن المعنى صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفًا من أن يدخل القلب شيءٌ من البدعة، اللهم احفظ علينا ايماننا -
فنلحظ أن الذهبي يقتصر على ما نص عليه الدليل بلفظه، وأنه لا حاجة إلى الزيادة
على ذلك بتفصيل أو بيان.
والذي عليه المحققون خلاف ما اختاره الذهبي، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية
بقوله: - والمقصود أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، بخلاف الألفاظ المأثورة، والالفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان
مأثورًا حصلت به الألفة، وما كان معروفًا حصلت به المعرفة .. فإذا لم يكن اللفظ منقولا ولا معناه معقو ًلا ظهر الجفاء والأهواء. انتهى
فقرر شيخ الإسلام أن مسلك الأئمة الكبار هو منع إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة دون الألفاظِ المأثورة، والألفاظِ التي بينت معانيها، فلا محذور في الألفاظ التي بينت معانيها الصحيحة، واللائقة با لله عز وجل، كما هو في تفسير الاستواء بالاستقرار، أو تقرير أن صفات الله حقيقة لا مجازًا، أو أن الله تعالى موصوف بعلو الذات، وأنه ينزل بذاته، لاسيما إذا كان هذا البيان في مقام الرد على المنحرفين في باب الصفات، كمن ينكر استواء استقرار، أو يزعم أن صفات الله مجازية، أو ينكر علو الذات، أو يتأول النزول بنزول رحمته أو ملك. فلا محذور في الإخبار عن الله تعالى بألفاظ ذات معان صحيحة، خاصة وأن الذهبي قد أورد في كتابه "العلو" آثارًا كثيرة عن السلف في إثبات أن الله تعالى "بائن من خلقه " دون أن يتعقب ذلك.
مع أن عبا رة "بائن من خلقه " نظير العبارات السابقة من جهة عدم النص على لفظها
في الكتاب والسنة.
وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل كلام الله ثم يسكت.
فقال –رحمه الله –: ولم يسكت لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا يتكلمون. -
فالإمام أحمد غّلظ على الواقفة، وجعلهم جهمية؛ لانهم لم يقولوا إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ففي هذه العبارة: "غير مخلوق " توضيح وبيان ورد على من زعم أنه
مخلوق، أو شك في القطع أنه غير مخلوق.
انتهى المقصود.
نقلته بطوله للفائدة فمعذرة ايها الاحبة الكرام.
¥