تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والخلاصة: أننا إذا فسرنا (استوى إلى السماء) بمعنى قصد إليها على وجه الكمال فإننا لم نخرج عن ظاهر اللفظ وذلك لاختلاف حرف الجر الذي تعلق بـ (استوى) في قوله: (استوى على العرش) وفي قوله: (استوى إلى السماء) وإذا قلنا بالقول الثاني المروي عن ابن عباس وأكثر المفسرين بأنه ارتفع فلا يجوز لنا أن نتوهم أن الله تعالى لم يكن عالياً من قبل.

المثال الثاني: قال أهل التأويل: أنتم يا أهل السنة أولتم قوله تعالى: ((ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) إلى أن المراد: أقرب بملائكتنا وهذا تأويل! فلماذا تُخرجون النص عن ظاهره؟

نقول: اعلم أننا لو أخذنا بظاهر النص واللفظ لكان الضمير (نحن) يعود إلى الله وأقرب خبر المبتدأ وفيه ضمير مستتر يعود على الله فيكون قرب الله عز وجل، وهذا منكر ولا يقوله أهل السنة والجماعة لأن هذا الأمر لا يمكن أن يكون ولكن هذا قول أهل الحلول الذين ينكرون علو الله عز وجل ويقولون إنه بذاته في كل مكان.

وأهل السنة إن أولوا فذلك ما يقتضيه السياق كما ذكرنا آنفاً، فالذي يحضر الميت هم الملائكة ((حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) وقوله تعالى: ((ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم))، فالذي يحضر إلى المحتضر عند الموت هم الملائكة وأيضاً في نفس الآية ما يدل على أن ليس المراد قرب الله سبحانه لأنه قال (ونحن أقرب) ولو دل على قربه لقال الله (وأنا أقرب).

بقي أن يقال: لماذا أضاف الله القرب إليه؟ وهل جاء نحو هذا التعبير مراداً به غيره؟

الجواب: أضاف الله تعالى قرب ملائكته إليه لأن قربهم بأمره وهم جنوده ورسله، وقد جاء نحو هذا التعبير مراداً به الملائكة كقوله تعالى ((فإذا قرأناه فاتبع قرآنه))، فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى فأصبحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى: ((فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط)) فإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.

المثال الثالث: قال أهل التأويل أنتم يا أهل السنة أولتم قوله تعالى: ((وهو معكم أينما كنتم)) فقلتم: وهو معكم بعلمه والضمير هنا عائد على الله فكيف تفسرون ذلك؟

قال أهل السنة والجماعة: نحن لم نؤول الآية بل إنما فسرناها بلازمها وهو العلم وذلك لأن قوله (وهو معكم) لا يمكن لأي إنسان يعرف قدر الله عز وجل ويعرف عظمته أن يتبادر إلى ذهنه أنه هو ذاته مع الخلق في أمكنتهم فإن هذا أمر مستحيل ومن فهم هذا الفهم فهو ضال في فهمه ومن اعتقده فإنه ضال إن قلد غيره بذلك ومن نسب إلى أحد من السلف أن ظاهر الآية (أن الله معهم بذاته في أمكنتهم) فإنه بلا شك كذاب أشر، وقد بسطنا قول الأئمة في ذلك.

إذاً أهل السنة والجماعة يقولون: نحن نؤمن بأن الله تعالى فوق عرشه وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته وأنه مع خلقه لكن مع إيماننا بعلوه. ولا يمكن أن يكون مقتضى معيته إلا الإحاطة بالخلق علماً وقدرةً وسلطاناً وسمعاً وبصراً وتدبيراً وغير ذلك من معاني الربوبية، أما أن يكون حالاًّ في أمكنتهم أو مختلطاً بهم كما يقول أهل الحلول والاتحاد فإن هذا أمر باطل لا يمكن أن يكون هو ظاهر الكتاب والسنة.

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في القواعد المثلى:

((وتفسير معية الله تعالى لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:

الأول: إنه مخالف لإجماع السلف فما فسرها أحد منهم بذلك بل كانوا مجمعين على إنكاره.

الثاني: أنه مناف لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف وما كان منافياً لما ثبت بدليل كان باطلاً بما ثبت به ذلك المنفي. وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاتحاد والاختلاط باطلاً بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير