تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى ولا يمكن لمن عرف الله تعالى وعرف حق قدره وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم أن يقول: إن الحقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطاً بهم أو حالاًّ في أمكنتهم ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة العربية جاهلاًَ بعظمة الرب جل وعلا.

وعلى هذا: فنحن لم نؤول الآية ولم نصرفها عن ظاهرها لأن الذي قال عن نفسه ((وهو معكم)) هو الذي قال عن نفسه ((وهو العلي العظيم)) وهو الذي قال ((وهو القاهر فوق عباده)) وهو الذي قال ((يخافون ربهم من فوقهم)) وقد ذكرت ذلك فلا داعي لسرد الآيات. إذاً: فهو فوق عباده ولا يمكن أن يكون في أمكنتهم ومع ذلك فهو معهم محيط بهم علماً وقدرةً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك.

واعلم أنه لا تعارض بين معنى المعية حقيقة وبين علو الله سبحانه لأن الله ((ليس كمثله شيء)) في جميع صفاته فهو عليٌ في دنوه، قريب في علوه، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال أيضاً: (إن الناس يقولون: مازلنا نسير والقمر معنا مع أن القمر في السماء. وهم يقولون: معنا! فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق كان في حق الخالق من باب أولى). والمهم أننا نحن معشر أهل السنة ما قلنا ولا نقول: إن ظاهر الآية هو ما فهمتوه وأننا صرفناها عن ظاهرها بل نقول: إن الآية معناها أنه سبحانه مع خلقه حقيقة، معية تليق به، محيط بهم علماً وقدرة وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك لأنه لا يمكن الجمع بين نصوص المعية وبين نصوص العلو إلا على هذا الوجه الذي قلناه، والله سبحانه وتعالى يفسر كلامه بعضه بعضاً.

وقال ابن عثيمين رحمه الله وصدق هو ومن قال ذلك (فإن من كان عالماً بك مطلعاً عليك مهيمناً عليك يسمع ما تقول ويرى ما تفعل ويدبر جميع أمورك فهو معك حقيقة وإن كان فوق عرشه حقيقة لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في مكان واحد).

عدم الخوض في الكيفية:

بقي أن نتكلم عن موضوع بغاية الأهمية كنت قد أشرت إليه سابقاً والآن سأفصل وأتوسع به وهو موضوع الكيفية.

فعندما تقول لأناس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فاستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

فيقول هؤلاء كيف ينزل الله إذا كان عندنا الليل فيكون في النصف الآخر من الكرة الأرضية النهار فكيف يتم الأمر؟ وما قصدوا من قولهم إلا الفتنة وهذا ما يدندن حوله أهل الكلام.

اعلم يا عبد الله: أن النزول من الصفات الفعلية التي ذكرتها لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى، واعلم أن كل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته وقد تكون الحكمة معلومة لنا وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة كما يشير إليه قوله تعالى: ((وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً)) فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل أو التكييف، أي لا يقع في نفوسهم أن نزوله كنزول المخلوقين أو استواءه على العرش كاستوائهم لأنهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ويعلمون بمقتضى العقل ما بين الخالق والمخلوق من تباين عظيم في الذات والصفات والأفعال ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل أو كيف استوى على العرش أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة أي أنهم لا يكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا وحين إذٍ لا يمكن أبداً أن يتصوروا الكيفية ولا يمكن أن تنطق بها ألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم فالله تعالى يقول: ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)) وقوله: ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)). ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى: ((يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير