[النظر الثاقب فيما يجوز أن ينظر اليه الخاطب]
ـ[أبو الفداء بن مسعود]ــــــــ[11 - 09 - 08, 02:47 ص]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد،
فهذه رسالة موجزة في مسألة دقيقة من مسائل فقه النكاح، ألا وهي مسألة نظر الخاطب .. وهي في جزئية دقيقة بالذات من تلك المسألة، ألا وهي حدود نظر الخاطب وما يحل له النظر اليه من المرأة من أجل خطبتها.
وقد دعاني الى البحث في هذه المسألة، ما يراه بعض الاخوة من تمسك بعض الأخوات – هداهن الله – بمواقف متشددة في ذلك الباب بغير فقه ولا حجة ولا بينة، فترى الفتاة من جهلها قد تمتنع ورعا عن الظهور لخاطبها الا بالنقاب والحجاب الكامل، أو بأقل ما يمكن لها اظهاره من وجهها ان هي تنازلت ورضيت بالكشف عن شيء منه!! وقد تتحرى ألا تظهر له الا مرة واحدة وحسب، وتكره أن يطلب منها تكرار ذلك! أو قد تشترط عليه أن تصفها له والدته أو أخته دون أن يراها هو بعينيه! ولو أنه جاء يطلب أن يرى منها ما يزيد عن الوجه والكفين، (كأن يطلب النظر اليها حاسرة الرأس) انقلبت الدنيا عندها ولم تقعد، واحتجت بقول الجمهور في المسألة – تقليدا في أغلب الأحيان - وكأنه اجماع، ثم تراها يسوء ظنها بالرجل وكأنه لا يطلب طلبا كهذا الا رجل فاسق ذاهب المروءة والعدالة، ولا حول ولا قوة الا بالله!
ولعل السبب في ذلك الغلو من قبل بعض الأخوات – من قلة الفقه والنظر – يكمن في حرصهن على مخالفة ما غلب وفشا من المفاسد في أكثر بلاد المسلمين في موضوع الخطبة بين الشاب والفتاة، حتى انك لترى الناس تبيح للخاطب من مخطوبته أمورا لا تباح الا للرجل من امرأته، كالخلوة بها أو الخروج معها للنزهة وغيرها، أو المزاح واللعب والامساك بيدها وما الى ذلك. ولو أنهن تأملن ونظرن في كلام أهل العلم وفي أدلة مسألة نظر الخاطب، لوجدن أنه وان وجد خلاف بين الفقهاء في حدود ما يباح للخاطب النظر اليه منها تفصيلا، الا أنهم مجمعون على أن ذلك النظر بالجملة مباح على خلاف الأصل – لوجود الحاجة أو الضرورة الداعية اليه - ولا حرج فيه وعلى أن مقصده الشرعي هو أن يرى الخاطب من المرأة ما يرغبه في نكاحها. وكذا فلو أنهن تفقهن في المسألة لفهمن أنه لا دخل لها على الاطلاق بتلك المخالفات والتجاوزات التي تقع في كثير من بلاد المسلمين تحت صفة "الخطوبة"!
وكم من فتاة طيبة على دين وخلق، ضيعت على نفسها فرصة الزواج من شاب حسن الديانة والخلق، لا لشيء الا لأنها تأبى عليه – من جهلها - أن يرى منها ما أباح له الشرع أن يراه في حال الخطبة، فتحرمه من أن يرى منها ما يرغبه فيها، وقد أباحه الشرع له أن ينظر اليه، ظنا منها بأنها بذلك تكون على عفاف وخلق، وبأنه اذ يريد منها ذلك فانه لا مروءة فيه ولا حياء، فالله المستعان!
وحتى لا نطيل، فسنمضي بحول الله الى دراسة أقوال أهل العلم والنصوص الثابتة في تلك المسألة، ثم نرجح من بين تلك الأقوال ما يظهر صوابه، والله تعالى أعلم بالصواب وهو المسؤول أن يسدد عملنا لما فيه الخير، وأن يرزقنا الاخلاص في القول والعمل ..
آمين.
أقوال الفقهاء في المسألة وحججهم فيما ذهبوا اليه:
أولا: الاقتصار على الوجه والكفين، وهو قول الجمهور (الشافعية والمالكية والحنفية)
المالكية: قال في حاشية الدسوقي "وَقَوْلُهُ وَكَفَّيْهَا أَيْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا فَالْمُرَادُ يَدَيْهَا لِكُوعَيْهَا وَإِنَّمَا أُذِنَ لِلْخَاطِبِ في نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِأَنَّ الْوَجْهَ يَدُلُّ على الْجَمَالِ وَعَدَمِهِ وَالْيَدَانِ يَدُلَّانِ على خَصَابَةِ الْبَدَنِ وَطَرَاوَتِهِ وَعَلَى عَدَمِ ذلك" اهـ. (2/ 215)
الشافعية: قال صاحب حاشية اعانة الطالبين: " (قوله ليعرف جمالها) علة لنظره وجهها (قوله وكفيها) معطوف على وجهها أي وينظر كفيها. وقوله ليعرف خصوبة بدنها علة له والخصوبة النعومة. وفي الخطيب والحكمة في الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن " اهـ. (3/ 257)
¥