ورأى المؤلف أن كل منقول في باب نقد الرواة يلزم النظر فيه من جهة ثبوته عمن نسب إليه، وسلامته من التغيير، وقائله، ودلالته، فهذه أربع جهات للنظر في المنقول عن النقاد، وقد أفرد كل جهة بمبحث خاص في فصل بعنوان (ضوابط النظر في أحكام النقاد على الرواة).
وتناول في الفصل الأخير موضوع (تمييز رواة الإسناد)، فساق نماذج مما وقف عليه من الخلط بين الرواة، ثم بين أسباب وقوع الخلط بين الرواة، والوسائل المساعدة على تمييز الرواة.
ويعد هذا الكتاب الحلقة الأولى في سلسلة ينوي المؤلف القيام بها تحت عنوان (سلسلة نقد المرويات)،
وسيكون الكتاب الثاني – بإذن الله – في (اتصال الإسناد وانقطاعه)
والثالث في (مقارنة الروايات)،
والرابع في (أئمة النقد وكتبهم)،
والخامس في (مباحث متفرقة في نقد السنة).
وذلك على منهج رسمه في مقدمة هذا الكتاب؛ يتلخص في التالي:
1 - ممارسة التطبيق العملي بكثرة.
2 - القراءة الواسعة في كتب أئمة هذا العلم في عصر النقد عصر الرواية؛ لاستخلاص القواعد من نصوصهم بالسبر التام.
3 - الفحص الشديد للنصوص التي يعتمد عليها، وإعمال الروية فيها للتأكد من دلالتها على المراد.
4 - الإكثار من ضرب الأمثلة لإيضاح القاعدة وكيفية تطبيقها.
5 - الكتابة بأسلوب علمي هادئ بعيد عن أسلوب التقريع والتوبيخ عند مناقشة آراء الغير أو الإشارة إلى ما وقعوا فيه من أخطاء، وتجنب التعرض للأشخاص أنفسهم، والتشكيك في نياتهم.
6 - تتميز قواعد هذا الفن بأن مجال الاجتهاد فيها محدود جداً، فما على الباحث سوى أن يثبت أن أئمة هذا الفن يطبقون تلك القاعدة، أو يقدمون عليها القاعدة الفلانية، ونحو ذلك، بغض النظر عن إقامة الدلائل على صحة القاعدة، أو صحة الرأي المطروح، فالباحث حينئذٍ ملزم بإقامة الدليل على أنهم يفعلون كذا، لا أن دليل ما يفعلونه هو كذا، وهناك فرق جوهري بين الأمرين.
- الملاحظات:
1 - ما قاله المؤلف تحت الرقم (6) في المعالم العامة التي وضعها للمنهج الذي يحسن أن يسير عليه من رأى من نفسه القدرة على الكتابة والتأليف في قواعد نقد السنة؛ ليس واضحاً، وكأنه بحاجة إلى تقييد أو زيادة في الإيضاح على الأقل.
2 - أوصى المؤلف في المنهج الذي اقترحه أن يبتعد الباحث – ما أمكن- عن أسلوب التقريع والتوبيخ عند مناقشته لآراء غيره، أو إشارته إلى ما وقعوا فيه من أخطاء، وتجنب التعرض للأشخاص أنفسهم، والتشكيك في نياتهم، فإن هذه الأساليب كثيراً ما تحول دون تقبل القارئ لما يكتب، وتثير في نفسه العصبية والحمية، إلى جانب كونها تغذي بذور الشقاق والافتراق.
كما أوصى المؤلفُ (ص 25) الباحثَ: إن ناقش أحداً من [الأئمة] ناقشه بأدب واحترام، يطرح رأيه بطريقة تليق بحاله، خائف وجل، مبتعد عن العبارات التي توحي بالثناء على النفس.
وغير خاف أن ما تقدم يحتاج إلى مجاهدة النفس، وترويض لها فهي ضعيفة، توَّاقة لكل ما تظنه يرفع من شأنها، وإن كان بغير حق، فالمتأمل في كتابات بعض الباحثين الذين يتعاطون نقد السنة يرى عجباً: تسامقاً وتعالماً، وعبارات خشنة في حق الأئمة، لا تليق بآحاد الناس.أ هـ
ويبدو أنه يرى أنه إذا لم يُسَمِّ الشخص فقد سلم من هذه الدخائل والغوائل، كما قال ص 12: تعمدت أن أضيف إلى ما أكتبه أمراً قد يرى غيري أن تركه أولى، وهو ضرب الأمثلة على ما يقع من الباحثين من أخطاء، جراء إغفال تطبيق القاعدة موضع الحديث، وأقدم عذري عن ذلك هنا، فليس غرضي – بحمد الله تعالى- التشهير بأحد أو التجني عليه، بل تعمدت إغفال ذكر أسماء المشايخ والباحثين المعاصرين، والابتعاد ما أمكن عن الدلالة عليهم.
¥