وقد ترجم العلامة الطناحي للعلامة عبد السلام هارون بترجمة رائعة تجدها في نفس البحث الذي كتبه العلامة الطناحي عن دار العلوم ضمن كتاب (في الأدب واللغة دراسات وبحوث) والذي سبق أن وضعت رابطه.
ـ[عمر الإمبابي]ــــــــ[22 - 08 - 06, 08:09 م]ـ
تمام حسان .. مجدد العربية
حسام تمام
ربما يصعب التعريف بقيمة هذا الرجل وعطائه نظرا لطبيعة تخصصه، ولكن لمن هم بعيدون عن حقل الدراسات اللغوية يكفي أن نقول: حين كنا طلابا في قسم اللغة العربية كان يذكر لنا ثلاثة كتب هي الأهم في دراسة العربية: "الكتاب" لسيبويه وهو المؤسس للنحو العربي، و"دلائل الإعجاز" للإمام عبد القاهر الجرجاني .. ثم كتاب "اللغة العربية معناها ومبناها" لتمام حسان.
ولولا طبيعة الزمان وأن المعاصرة حجاب لبويع تمام حسان أميرا ومجددا للنحو العربي وللدراسات اللغوية الحديثة في عالمنا العربي.
فالعالم الكبير الدكتور تمام حسان هو صاحب أول وأجرأ محاولة لترتيب الأفكار والنظريات اللغوية في اللغة العربية بعد سيبويه وعبد القاهر الجرجاني، وربما لم يوضع كتاب لغوي حديث ضمن قائمة أمهات كتب العربية إلا كتابه "اللغة العربية معناها ومبناها"، وقد وصفه غير قليل من علماء اللغة العرب بذلك، منهم مثلا سعد مصلوح، ويطلق عليه "الكتاب الجديد" بعد كتاب سيبويه الذي سمي بـ"الكتاب" كما لو كان أصل كتب العربية وأهمها.
الكتاب الجديد .. نظرية متكاملة
وفي هذا الكتاب -كما في بقية كتبه- قدم الدكتور تمام حسان نظرية متكاملة في دراسة اللغة العربية خالف فيها ما استقر عليه الأمر في هذا الشأن من لدن سيبويه إلى عصره، ورفض نظرية العامل التي بنى عليها سيبويه (في القرن الثاني الهجري) النحو العربي وتابعه عليها الأولون والآخرون. وصاغ تمام حسان بديلا عنه نظرية "القرائن اللغوية"، فجاوز بها كل علماء العربية، حتى من سبقوه بنقدها ورفضها.
وكان سيبويه في نظرية العامل التي شيد على أساسها النحو قد عد العلامة الإعرابية هي القرينة الوحيدة لفهم المعنى، وعلى خطاه سار النحويون ولم يخرج عنهم إلا القليل ممن انتقدوها مثل ابن مضاء القرطبي (في القرن السادس الهجري)، ولكن ظل الأمر قيد النقد الجزئي الذي يدور داخل النظرية من دون أن يستطيع منها فكاكا حتى فعلها تمام حسان الذي أعاد صياغة النظام النحوي العربي كله على أساس فكرة تضافر القرائن اللغوية في تحديد المعنى وعدم انفراد العلامة الإعرابية به إذ اعتبرها مجرد قرينة واحدة يمكن أن تختفي في بعض الأحوال، فلا تستطيع تحديد المعني.
وهو ما يستلزم في رأيه اللجوء إلى قرائن أخرى توضح المعنى وتجليه، وقد حدد تمام حسان عددا من القرائن التي لا بد منها (مثل قرائن: الرتبة، التضام، الربط، الضمائر، البنية، النغمة، أمن اللبس، مستوى الصواب والخطأ، التماثل الصوتي)؛ فالرتبة تقول إن ما يلي الفعل مثلا هو الفاعل ما لم يحدث استثناء، وقرينة التضام تعتمد على افتقار الكلمة لأخرى بعدها (مثل الموصول لصلة الجار لمجرور .. وهكذا بما يعين في فهم المعنى دون البحث عن العلامة الإعرابية).
لقد بنى حسان بهذه النظرية للنحو نظاما متماسكا قوامه القرائن المعنوية واللفظية بعد أن كان النحو في نظر الدارسين تحليلا إعرابيا فحسب، ولهذه النظرية الجديدة أهمية كبرى لا يمكن تبينها إلا حين تقرأ تطبيقاتها على فهم وتفسير القرآن الكريم؛ وهو ما أنجزه تمام حسان في كتابه الرائع "البيان في روائع القرآن" والذي هو تطبيق عملي لنظريته.
تجديد دراسة اللغة
اللغة العربية معناها ومبناها
هذه المقدمة النظرية لا بد منها للتعريف بالرجل، فهو عالمٌ فضّل أن يهجر الدنيا لنظريته ومشروعه فلم يُعن بكتابة المقالات العامة أو الحديث في كل شيء كما يفعل الكثيرون، بل نذر حياته -بلغ الثامنة والثمانين أمد الله في عمره- لفكرة واحدة: تجديد دراسة اللغة العربية .. ومن أجلها هانت عليه حياة هي أقرب للرهبنة.
¥