أسرار الحُفاظ (مع إضافات)
ـ[محمد منصور الأيدا]ــــــــ[20 - 05 - 10, 10:01 م]ـ
سلسلة متون الحُفَّاظ
أَسْرَارُ الحُفَّاظِ
(ساعة كافية لقراءة هذه الرسالة)
مقدمة
الحمد لله ذي الآلاء والنعم، حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
هذه ورقات مختصرات، وأسباب مباركات ٌ، وضعتها للمبتدئين أمثالي، لتكون حادياً لهم إلى مراتب الرقي والفلاح، وصفت فيها طريق طالب العلم وزاده وراحلته، وهن اللواتي لابد منهن ليبلغ شرف العلم ومنزلته، ولولا فضل الله لما كُتِبت هذه الحروف، ولما ساعدت عليها الظروف، ولكن الله ذو فضلٍ عظيم.
وقد أكثرت من ذكر الأسباب والمقصود أن يعلم الطالب أثرها الكوني والشرعي المترتب عليها ويستيقن موعودها فيستحقه ولكل امرئٍ ما نوى.
وكل ما تراه فهو مما منَّ الله به علينا من العلمِ على أيدي مشائخنا الكرام ومما رسخ في قلوبنا من علمهم وإن نسينا قائله فجزاهم الله عنا خير الجزاء إلا ما أخطئت فيه، فإني أقدمُ اعتذاري عنه.
ولمَّا كان المبتدئون – بعد معرفة فضل العلم وآدابه - يحتاجونَ إلى تعلمِ أربعةِ أمورٍ وهي:
1 - أسباب اكتساب العلم. 2 - موانع العلم ومُذهِباته.
3 - العلوم التي يحتاجونها.
4 - الكتب التي يكتسبون منها هذه العلوم.
فقد وفقني الله أن أكتب فيها ما ستراه في هذه الرسالة الموسومة بـ (أسرار الحُفَّاظ) وقد استمعت إلى مادة صوتية بعنوان (آداب الطلب) للعلامة محمد بن الحسن الدِّدُو الشنقيطي حفظه الله ورجعت إلى صلاح الأمة للعفاني فأضفت إليها عدداً من الأسباب والمتون منها: العزلة والتغرب وعلو الهمة والكتابة والجوع.
وجزى الله كل من ساهم في تصحيح هذه الورقات ومنهم شيخي د/ مانع المانع و الشيخ/عماد الأيْدا خير الجزاء وجعلها في موازين الحسنات وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله إنه حميد مجيد.
[الخطبة]
بسم الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي أخرجنا مِن بطونِ أمهاتنا لا نعلمُ شيئاً وجعلَ لنا سمعاً وأبصاراً وأفئدةً، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ النبيِّ الكريمِ الذي هدانا إلى خير طريقٍ وأسعدِه، وبعدُ:
اعلم أنَّ العلمَ ممتنعٌ على من لا يشاءُه اللهُ، وفيما لا يشاءه اللهقال تعالى: ((ولا يحيطون بشيءٍ من علمِه إلا بما شاء))
فإذا علِمتَ هذا أعانك على أن تأتي البيتَ من بابه.
ثم اعلم أنَّ الله الذي لا يُنَالُ العلمُ إلا بمشيئته قد جعلَ للعلمِ طريقين يُنَالُ بهما بعد أن غرس في قلوبِ الخلق من العلم ما لا يحيون إلا به فجعل قلوبهم مفطورةً عليه، وهذا يدلك على أنَّ الخلق أحوج إلى العلمِ من الماءِ الذي يشربون، وهذان الطريقان هما:
أ) أسبابٌ خاصة.
ب) أسبابٌ عامة.
فالأولى مختصةٌ بالمؤمنين، والثانية عامةٌ للناس أجمعين.
وهذه الأسبابُ إن وُجِدت فيك- مع انتفاء موانع العلم ومذهباته- ستجدُ الرفعةَ في الدارين، وكلُّ هذه الأسبابِ إنَّما المقصودُ منها أن يرزقك الله بها ركني العلمِ وهما:
1 - الحفظ 2 - الفهم.
قال تعالى: ((بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم)).
ولابد من اجتماعهما للعالِم، (قال الإمام الشافعي رحمه الله:
علمي معي حيثما يممت ينفعني قلبي وعاءٌ له لا جوف صندوقِ
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق)
فالحفظ بلا فهم كزيتٍ بلا مصباح، والفهم بلا حفظ كمصباحٍ بلا زيت، فإذا اجتمعا فأوقدتَهما بالدعوةِ إلى اللهِ، كان المصباحُ كأنّه كوكبٌ دريٌ يوقدُ من شجرةٍ مباركةٍ يهدي به الله الحيارى في ظلمةِ الليلِ البهيمِ.
ولنبدأ بالأسبابِ الخاصةِ لعِظَمِ بركتِها:
أ) الأسباب الخاصة:
[1] الإخلاصُ:
وما أدراك ما الإخلاص؟ هو في العملِ كالروحِ في الجسدِ، أمَرَ اللهُ عزوجلَّ به فقال: ((فاعبد الله مخلصاً له الدين)) وهو الذي تترتبُ عليه الآثارُ العظيمةُ والمننُ الجسيمةُ، فاجتنبْ نواقضَه ومنقصاتِه كرياءٍ مع العملِ أو سمعةٍ قبلَه أو بعدَه، فإذا عملتَ أيَّ عملٍ أو تعلمتَ أيَّ علمٍ فأخلصْ لله، واعلم أنَّ الإخلاصَ درجاتٌ، وليظهرنَّ عليك أثرُ الإخلاصِ في الدنيا والآخرةِ.
(قال الإمام مالكٌ رحمه الله: ما كان لله يبقى)
¥