• و اذا كان جهاد الدعوة بالكلمة له فضل كبير فانه لا يدرك امانة الكلمة و لا فقهها مثل الدعاة العلماء بهذا العلم النفيس , قال عز و جل (و من احس قولا ممن دعا الى الله و عمل صالحا و قال اننى من المسلمين) – فصلت: 33 - اولئك والله الأقلون عددا و الأعظمون عند اللهقرا يحفظ الله بهم حججه و بيناته حتى يودعوها نظراءهم و يزرعوها فى قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان متعلقة بالمحل الأعلى اولئك خلفاء الله فى ارضه و الدعاة الى دينه.
• و اذا كانت الدعوة الى الله من اشرف الأعمال و أنفعها عند الله فان علم اصولها من اشرف العلوم و أنفعها للداعى و للمدعو على حد سواء و كل فضل ثبت للدعاة عموما فأرباب العلم و البصيرة باصول الدعوة و فقهها به اولى و احرى. قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات) –المجادلة: 11 –
• و لا يفوت فى هذا المقام التأكيد على ان تعلم هذا العلم من اعظم سبل الوحدة و الائتلاف و نبذ الفرقه و الاختلاف و صلاح ذات البين و ما قد يوجد من مظاهر الفرقة و التخالف بين الدعاة مرده الى امور كثيرة من اهمها:
غياب او ضعف العلم الشرعى الأصيل و كذا علم اصول الدعوة و فقه ممارستها و خفوت نور الربانية فى الصدور و ضعف التحقق بالأخلاق النبوية و الشمائل السلفيه. فلا غنى عن غلبة روح التأصيل العلمى و التفريق بين المقبول و المردود من الخلاف و المحكم و المتشابه من النصوص و القطعى و الظنى من الدلالات.
المبحث السادس
نشأة علم اصول الدعوة و تطوره
ان مفردات هذا العلم قديمة قدم الدعوة لم ينفك علم الدعوة عن عملها فى منهج الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم و مازال علم الدعوة و عملها عبادة يتقرب بها الدعاة الى الله جيلا فجيل و لما قام عبد الله و رسوله صلى الله عليه و سلم يدعو الى الله تاليا آياته و معلما احكامه و مزكيا اتباعه تخرج اصحابه فى مدرسته و تفقهوا بعلمه و تأدبوا بأدبه و أنجز الله لهم وعده فأظهر دينه و أعلى كلمته و أعز اهله و اقتفى التابعون آثار الاسلاف فنشروا الاسلام و بلغوا فيه كل مبلغ قكانت جل الجهود مصروفة الى حفظ العلم و اتقان العمل.
و عندما بسط الاسلام نوره على الدنيا و دانت له الارض اتجهت العلوم وجهة التأصيل و التقعيد و كان علم الدعوة ابوابا منثورة فى كتب السنة و دواوينها حينا و فى كتب التفسير و شروحاتها حينا و كتب السيرو التاريخ و التراجم احيانا اخرى و لم يجتمع من ذلك علم بالمعنى الاصطلاحى للعلم لأن مبعث تأصبل العلوم و افرادها بالتصنيف هو الحاجة اليها و لم تكن الدعوة اذ ذاك عملا مهجورا و لا امرا مستورا اذ كان المجتمع الاسلامى كله ناشطا بالدعوة الى الله تسرى روحها فى اوصاله و تتنفس رحيقها جنباته.
و كانت الدولة الاسلامية آنذاك ترى الدعوة الى الله أولى وظائفها فى الداخل و محور علاقاتها فى الخارج بل كانت ترى الدعوة سر وجودها و نظام حياتها و بقائها تخاطب بارسال الدعاة و تدعو باستقبال الوفود و تدعو بالحسبة و التغيير و تزيل العقبات امام الدعوة بالجهاد.
فكان المجتمع افرادا و جماعات حكاما و محكومين متحققين فى الجملة بقوله تعالى: (الذين ان مكناهم فى الارض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور) –الحج:41 –
و بقى الامر مقاربا حتى خلف من بعدهم خلف أضاعوا الواجبات و اتبعوا الشهوات و اهملوا العلم و العمل على مختلف المستويات فما استفاقوا الا على استلاب دولتهم و زوال خلافتهم و تفرق شملهم و تغير حالهم و استبدالهم بالقوة ضعفا و بالعزة ذلا و بالغنى فقرا.
¥