تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - أما مذكرات شفيق باشا (مذكراتي في نصف قرن) فتمتاز بسعة المجال إذ أنها تصل إلى ثلاثة أجزاء، وتضم صورة الحياة السياسية من خلال نظرته إليها في الفترة مابين 1883 – 1923، وهي مذكرات مؤرخ درس العلوم السياسية في أوربا وشغف منذ مطالع حياته بالتاريخ وكتابة المذكرات، وهي تضم صور حياته الخاصة في مراحلها وأعمالها وتقلباتها وأسفارها، إلى صورة الحياة السياسية التي عاشتها مصر في تلك الفترة، بحكم مشاركته فيها واتصالها بعمله في قصر الخديويين، وقد صور من عاشرهم من الملوك والأمراء والوزراء وكبار الشخصيات التي لعبت الأدوار السياسية في العالم العربي الحديث في تركيا والشام ومصر في هذه الفترة وتكون هذه المذكرات مادة خصبة لدراسة التاريخ السياسي المصري في هذه الفترة حيث تكشف عن كثير من المناورات والمشاورات التي كانت تدور وراء الستار وتعطي مفاتيح أسرار الأخبار التي تنشرها الصحف كما تعطي الجوانب غير المنظورة ووقائع الحياة الخاصة وما وراء الصور الظاهرة في مجالس الوزراء واجتماعات الحكام وعلى موائد المفاوضات فضلا عن النوادر الشخصية والصور الداخلية والأسباب الهفية والعوامل النفسية وراء القرارات المختلفة.

فقد لازم شفيق باشا الخديوي عباس وساح معه، وتأثر برأيه في كثير من المسائل وأهمها موقفه من عرابي، وهي وجهة نظر خصوم عرابي ومعارضي الثورة.

وقد تميز هذا الفن الجديد بالجمع بين الصورة والخبر وما وراء الأخبار على الاهتمام بالحياة الاجتماعية، وذلك تحقيقا للقاعدة التقليدية التي كانت تعني بأخبار الملوك والفاتحين وحدهم، كما تضمنت موقف القصر ووجهة نظره، وحقيقة تصرفاته إزاء عديد من الحوادث، وقد نشرت فصول منها في الأهرام قبل صدورها عام 1927، فأثارت ضجة وأخذ الكثيرون يراجعون كاتبها في آرائه وتسجيلاته، وخاصة فيما يتعلق بموقفه من عرابي، وقد أصاب هذه المذكرات ما أصاب غيرها من اقتضاب في بعض جوانبها مما لم يكن يباح نشره في إبان فترة صدورها، وإن شملت كثيرا من التفاصيل عن حياة إسماعيل الخاصة، غير أن مراجعها "سيد قطب" قد أشار بعد الثورة في مقالة له بالرسالة أن حياة إسماعيل كانت صاخبة مثيرة، وأن ما نشر منها في مذكرات شفيق باشا قليل جدا مما هو على وجه الحقيقة.

ومع هذا الاجتراء فقد كتب عن بيع النياشين والدسائس ضد الشيخ محمد عبده.

وقد أجمع الباحثون على أن ميزة هذه المذكرات أن:

• كاتبها عالم درس العلوم التاريخية وعرف أسرارها وأصولها منذ صباه.

• أنه كتبها بأسلوب المؤرخ.

• عنايتها بالشعب ووصف أحواله وأطواره في أفراحه وأحزانه.

• مركز صاحبها وما استطاع أن يصل إليه بحكم هذا المركز من معلومات وأسرار.

أما دوافع هذه المذكرات فيصورها شفيق باشا حين يقول: دفعني إلى تدوين هذه المذكرات عوامل كثيرة كان بعضها كامنا في نفسي والبعض الآخر هيأته الظروف التي أخاطت بي، لاسيما كنت أشعر منذ الحداثة بشغف قوي إلى تدوين مذكرات يومية عن دراستي وأحوالي وما أستطيع إدراكه ومشاهدته وكان طبيعيا لإنسان فطر على هذا الميل أن يهوى التاريخ وان يشغف به.

لذا كانت دراسته ومطالعته أحب الأشياء إلى نفسي، ولم يكن يثنيني عن تدوين هذه المذكرات عمل ولا لهو، وما كانت مشاغلي الخاصة لتحول بيني وبينها، بعد أن غدت جزءا لا يتجزأ من برنامج حياتها، ولا أفتر عن تقييدها أثناء أسفاري خارج مصر سواء للمهام أو للرياضة، وذلك أن تدوينها كان في ذاته سلوى لي لأنه يتصل بعامل خفي في نفسي هو الشغف بتسطيرها ثم استحياء مسرة استعراضها وعنده أنها سجل للحوادث يتبع سيرها الطبيعي فيقيدها كما وقعت، وشوهدت، دون رأي أو تعليق خاص، ودون شهوة أو غاية شخصية، فإذا ذهب ذلك العهد وتعاقبت عليه السنون ألقى التاريخ الحق في هذه المذكرات مادة نفيسة تؤمن شواهدها ودلائلها وأمكن استخراج الحوادث من بطونها غضة نقية.

وقد طالع شفيق باشا في شبابه "تاريخ الجبرتي" فراقه وكون في نفسه الميل الطبيعي للدراسات التاريخية، ثم وجد أن أحدا لم يقتف أثره، فأخذ يسأل نفسه: ترى هل يستطيع أن يسد هذا الفراغ بتدوين مذكرات له يسجل فيها كل ما يعلمه أو يشاهده ثم بدأ ينفذ الفكرة فأخذ أولا في تدوين وقائع حياته، وشجعه على كتابة مذكرات منظمة أنه كان يجد في كتابتها لذة وتسلية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير