ولكن لابد لنا بداية في هذه الحلقة أن نؤكد على أن كلامنا في الحلقة الماضية وغيرها من الحلقات لا صلة له بأشعريَّة محمد عوامة التي ينصرها نهارا جهارا في هذا الكتاب وفي غيره، فلهذا مكان آخر، خاصة وأن أشعريَّته هي قالبه الذي يحيط به وينطلق من داخله، وليس من السهل فصل الإنسان عن عقيدته، لكننا هنا نتكلم عن متن كتاب ابن أبي شيبة، وماذا فعل فيه محمد عوامة؟.
فالذين يحاولون الدفع والدفاع عن محمد عوامة باختلاف المشرب يغردون خارج السرب قطعًا؛ لأننا لم نتكلم عن المشرب ولا أعرناه انتباهنا، وإنما نتكلم عن متن كتابٍ صدرتْ له طبعات قبل طبعة محمد عوامة، ثم أخذتْ طبعة عوامة من الإعلان والتمجيد الشيء الكثير من جهة البعض، كما أخذ هو نفسه الشيء الأكثر من جهة آخرين.
ولو قال هؤلاء وأولئك إنها كغيرها من الطبعات العادية التي يخرجها هواة المحققين، الذين لم يتمرسوا في التحقيق ولا كابدوا مشاقّه حقيقة، لكفونا الكلام وما تكلمنا على طبعة سقيمة ومحققٍ أسقم.
لكن من المرفوض تمامًا أن تُمجَّد طبعة لم تتميز عن سابقاتها بالقدر اللازم في الطبعات اللاحقة من خدمةٍ لمتن الكتاب.
ودعنا من تعليقاته المختصرة من هنا وهناك، أو سقطاته العقدية التي لن نلتفت الآن إليها، وربما يأتي الكلام عليها في يوم ما إن أراد الله هذا.
فالذين يحاولون صرف الكلام إلى أشعرية الرجل أو مشربه يحلمون، كذلك الذين يتكلمون بحسن ظنٍّ مسبقٍ، لن يقف الإنسان كثيرا عند كلامهم لأنه لم يتجاوز حسن الظن.
والقاعدة أرساها محمد عوامة نفسه عندما ولغ في صديق حسن خان ورماه بالتناقض في كتبه التي لا يدري ما فيها لانتحاله إياها حسبما اتهمه محمد عوامة وعلَّق سبب هذا الاتهام على كون صديق حسن خان كان زوج ملكة بهوبال، وفي ختام ولوغه في صديق حسن خان قال عوامة 1/ 29: ((والتاريخ يفضح ولا يرحم)).
ولن نناقشه الآن في كلامه عن صديق حسن خان لأنه ليس من مقصد كلامنا عن عمل محمد عوامة في كتاب ابن أبي شيبة، ولكننا سنحاكمه إلى قاعدته التي تحاكم إليها، فنقول: وكما أن التاريخ يفضح ولا يرحم، فإن باطن العمل ودراسة تحقيق محمد عوامة لمصنف ابن أبي شيبة هو جزء من هذا التاريخ الذي يفضح ولا يرحم.
فلا يعترضنّ علينا أحد بمنزلة محمد عوامة التي يحلم بها هذا أو ذاك، فباطن العمل هو الفاصل والحاكم بيننا وبين عوامة، ولسنا نرتبط به بنسب أو مصاهرة، ولا نجامعه الرغبة في إخراج الكتاب نفسه، وإنما هي النصيحة، وحقيقة ما فعله في الكتاب: يفصل بيننا وبينه، كما يفصل بيننا وبين محبيه وعاشقيه.
وكما تركنا الكلام جانبا وارتضينا باطن عمله وظاهره حَكَمًا فليأت هو وأحبابه إلى نفس الحكم والقاضي ولنتحاكم جميعا للعمل الماثل للعيان، بعيدا عن الخيالات والإنشاءات والخطب النارية التي ما تلبث أن ينكشف عوارها وتزول، وكما قال عوامة نفسه: ((والتاريخ يفضح ولا يرحم!)).
نكمل ما بدأناه في الحلقة الأولى
ونطرح سؤالا حول طبيعة الطبعة الجديدة لأي كتاب، هل من المفترض أن تأتي بجديدٍ أم لا؟ وما هو حجم هذا الجديد؟
ولا يخالفنا عاقل في أنه لابد في كل عمل جديد أن يأتي بما لم يأتِ به السابق عليه، فالعمل المكرر لا يتجاوز أن يكون صورة مكررة لما سبق، فإذا رضي محمد عوامة ومحبُّوه بأن تكون طبعته مجرد صورة مكررة لما سبق من طبعات خاصة طبعة الرشد التي سبقت طبعته بزمن كافٍ يمكنه فيه أن يتميز عنها بميزات في ضبط متن الكتاب ضبطا لائقا بحجم الكلام عن طبعته؛ فإذا رضي عوامة ومحبُّوه بأن تكون طبعته مجرد صورة مكررة لما سبق لا جديد فيها ولا ميزة لها فقد كفونا العناء، وعليهم التوبة من خديعة الناس عندما قدموا لهم هذه الطبعة على أنها قد جاءت (في ضبط الكتاب) بما لم تأت به الأوائل!.
فإنْ أبوا هذا فلتأتنا منهم إجابة صريحة صراحة سؤالنا لهم: ما هو الجديد الذي تميزت به هذه الطبعة عن سابقتها؟ وما حجم هذا الجديد؟ وهل يستدعي حجم هذا الجديد إعادة طبع الكتاب؟
وكلامنا كما سبق وقلنا: عن متن الكتاب وضبطه، فهذا ما يهم طلبة العلم، ولا يهمنا الآن تلك التخريجات المبتورة المختصرة من هنا وهناك والمليئة بالمغالطات التي ربما نتحدث عنها في وقت آخر إن أراد الله عز وجل.
¥