في هذا الصدد يقول أستاذ علم النفس بكلية التربية-جامعة الكويت ا. د.صلاح مراد إن «العلم تراكمي ولا يستطيع أي باحث أن يكمل بحثه من دون الاطلاع والاقتباس من بحوث سابقة، لكن الاقتباس يتطلب الإشارة بوضوح إلى المصدر الذي استقى منه بعض المعلومات، التزاما بالامانة العلمية واحترام ملكية الآخرين»، وفي هذا الخضم من السرقات العلمية دعا الى «ضرورة اجتهاد المجلات العلمية وتفعيل دورها للوقوف في وجه هذه الظاهرة»، وأرجع السبب في ذلك إلى «التهاون الذي يحدث أحيانا من بعض لجان التحكيم من قبل المجلة التي تقوم بنشر البحث العلمي».
وهو أيضا لا يغفل مسؤولية الأستاذ الجامعي المشرف على البحوث إذ أكد مراد أنه يقوم في إطار حرصه الدائم على التأكد من سير البحوث في مسارها الصحيح بعمل إعادة مراجعة أثناء تقييمه لكل بحث مقدم إليه، لافتا الى إنه يستطيع المعرفة بسهولة ما اذا كانت فكرة البحث مقتبسة أو منقولة من أبحاث أخرى، وما إذا كان يحتوي على إضافة علمية، ولم ينف اكتشافه بحوثا مقتبسه سابقا، حين تقدم له أحد الأساتذة ببحث بداعي الترقية، ففوجئ بأن البحث مقتبس من بحث آخر من دون الإشارة إلى ذلك، فقام بإعطائه تقدير «ضعيف» من دون اتخاذ أي إجراء آخر، على الرغم من وجود قانون الملكية الفكرية في الكويت الذي يتيح لصاحب أي بحث مقاضاة من اقتبس من بحثه من دون الإشارة إلى اسمه.
وأوضح مراد أن هنالك «أسسا منهجية للبحث، فإذا لاحظنا وجود خلل في اتباعها فإننا نلفت نظر الباحث، ونقدم تقريرا كاملا عن جميع الثغرات في بحثه ولكننا يجب أن نعرف انه لا يمكن لأي باحث ان يتجنب وجود بعض الثغرات في بحثه»، مشيرا إلى «عدم وجود آلية معينة بين الدول العربية للحد من ظاهرة سرقة البحوث العلمية، ولا يوجد تعاون في مجال البحث العلمي، ولا حتى في الجامعات الأجنبية».
جريدة الجريدةالعدد 127 - 28/ 10/2007
وقال الدكتور محمد عبيد الدكتور في دار العلوم جامعة القاهرة:
غريب جداً ما أتكلم عنه، بل كان عندي شيئاً مستحيلاً، ولكن هذا المستحيل أصبح حقيقة واقعة ملموسة لا نستطيع أن نغض الطرف عنها، بل إن هذا المستحيل قد أصبح أصلاً لظاهرة السرقة للبحوث العلمية والتقدم للترقية في المجال الأكاديمي.
وكنتُ قد كتبتُ قبل ذلك عن السرقات العلمية وأتيتُ ببعض النماذج التي كانت في حوزتي في ذلك الوقت، وكتبتْ أيضاً جريدة الرياض عن أستاذ جامعي سرق جهداً لطالب ماجستير ناسباً إياه لنفسه، بل إنه طبعه في نفس البلد التي تجمعهما دون مراعاة للشعور أو الأعراف التي تقوم على النزاهة والأمانة العلمية.
وبدأ هذا الأمر يشغلني كثيراً .. أستاذ يكتب ويتقدم للترقية ويترقى، ثم يأتي أستاذ آخر بعد عام أو عامين ليأخذ نفس البحث ويتقدم به أيضاً للترقية، والغريب الذي يضحك ويبكي أنه يترقى ويواصل بذلك صعوده في الدرجات العلمية، ولكن هذا الصعود عندي صعود إلى أسفل، صعود تجاه القاع.
ثم تتبَّعْتُ شيئاً من ذلك السطو الماكر على بحوث الأساتذة، فوجدت أن الأمر ولله الحمد والمنة منتشر جداً، والأمر فيه مألوف، والشاطر الذي يسارع بالسطو على البحث قبل أن يأخذه زميل آخر ويضيع عليه الفرصة، حينئذٍ يضطر إلى البحث عن سطو آخر، وهذا عمل شاق ومجهد وثقيل على نفوس هؤلاء.
وتجمعتْ لديَّ بحوث كثيرة ساعدني في الحصول عليها أساتذة أمناء أسماؤها ومادتها واحدة، لكنها تحمل اسمين، وكل اسم قبله (د.) كبيرة تدل على أن المكتوب موثوق به وصادر عن أهل ثقة.
ونكشف اليوم عن حلقة من حلقات هذا المسلسل الفاضح لسرقات البحوث العلمية، فقد أهداني الأستاذ الدكتور أحمد صبرة بحثين قد نُشرا في مجلتين محكمتين، وكان الأخ الأستاذ الدكتور عبد الله الفيفي قد كتب في ثقافية (الجزيرة) مقالاً رائعاً عن هذا الموضوع بعنوان: اللص الذي أصبح أستاذاً، وأصاب موطن الجرح بشدة وحَيْدة وموضوعية، انتهى مع نهاية مقاله إلى أن الوضع أصبح خطيراً وحرجاً ومؤلماً للغاية.
وقد شافهني في هذه الأوقات الأخ الأديب الأستاذ إبراهيم التركي وأسرَّ إليَّ في حديث دار بيني وبينه حول هذا الموضوع بأن هذه الأعمال لا تعتبر خيانة للنفس فقط، بل تتعدى هذه الخيانة لتصل إلى أمة كاملة، والحق فيما قال.
¥