قال شيخنا الذهبي: بل هو غلوٌ , وإسرافٌ من الماليني؛ ففي "المستدرك" جملة وافرة على شرطهما، وجملة كبيرة على شرط أحدهما.
قال شيخنا الذهبي: لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب قال: وفيه نحو الربع: صح سنده؛ وإن كان فيه علةٌ. قال: وما بقي - وهو نحو الربع - فهو: مناكيرُ وواهياتُ لا تصح , وفي بعض ذلك موضوعاتٌ. ثُمَّ ذكر ابنُ طاهر أنَّه رأى بخط الحاكم "حديث الطير" في جزء ضخم جمعه، وقال: وقد كتبته للتعجب!
قلنا: وغاية جمع هذا الحديث , أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته؛ ولولا ذلك لما أودعه "المستدرك" , ولا يدل ذلك منه على تقديم عَلِيّ رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار: أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ إذ له معارض أقوى لا يُقدر على دفعه. وكيف يُظن بالحاكم - مع سعة حفظه - تقديم عَلِيّ؟! ومن قدمه على أبي بكر فقد طعن على المهاجرين والأنصار؛ فمعاذ الله أن يُظن ذلك بالحاكم.
ثُمَّ ينبغي أن يُتعجب من ابن طاهر في كتابته هذا الجزء - مع اعتقاده بطلان الحديث - ومع أن كتابته سبب شياع هذا الخبر الباطل، واغترار الجهال به: أكثرُ مما يُتعجب من الحاكم ممن يخرجه , وهو يعتقد صحته!
وحكا شيخنا الذهبي كلام ابن طاهر وذيَّل عليه أن للحاكم "جزءاً في فضائل فاطمة"؛ وهذا لا يلزم منه رفضٌ ولا تشيعٌ، ومن ذا الذي ينكر فضائلها رضي الله عنها؟!
فإن قلت: فهل ينكر أن يكون عند الحاكم شيء من التشيع؟
قلت: الآن حصحص الحق؛ والحق أحق أن يُتبع.
وسلوك طريق الإنصاف أجدر بذوي العقل من ركوب طريق الاعتساف.
فأقول:
لو انفرد ما حكيته عن أبي إسماعيل، وعن ابن طاهر؛ لقطعت بأن نسبة التشيع إليه كذب عليه؛ ولكني رأيت الخطيب أبا بكر رحمه الله تعالى قال فيما أخبرني به محمد بن إسماعيل المسند إذناً خاصاً والحافظ أبو الحجاج المزي إجازة قالا: أخبرنا مسلم بن محمد بن علان قال الأول: إجازة، وقال الثاني: سماعاً:
أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أبو عبد الله بن البيع الحاكم كان ثقة أول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان يميل إلى التشيع؛ فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحاً عالماً قال: جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث وزعم أنَّها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها " حديث الطير"، و" من كنت مولاه فعلي مولاه" فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله انتهى.
قلت: والخطيب ثقة ضابط؛ فتأملت - مع ما في النفس من الحاكم - من تخريجه " حديث الطير" في "المستدرك" - وإن كان خرَّج أشياء غير موضوعة لا تعلق لها بتشيع ولا غيره - فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميلٌ إلى عَلِيّ رضي الله عنه: يزيد على الميل الذي يُطلب شرعاً؛ ولا أقول: إنَّه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولا أنَّه يفضل علياً على الشيخين؛ بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما؛ فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد باباً لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان , واختصهم من بين الصحابة، وقدم في "المستدرك" ذكر عثمان على عَلِيّ: رضي الله عنهما، وروى فيه من حديث:
أحمد بن أخي ابن وهب، حدثنا عمي، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
(أول حجر حمله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثُمَّ حمل أبو بكر، ثُمَّ حمل عمر حجراً، ثُمَّ حمل عثمان حجراً.
فقلت يا رسول الله! ألا ترى إلى هؤلاء كيف يسعدونك فقال:
(يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي).
قال الحاكم: (على شرطهما، وإنما اشتهر من رِوَايَة محمد بن الفضل بن عطية فلذلك هُجِرَ).
ولكلام السبكي بقية؛ ولكني آثرت أن أنقل للقراء مقدم الحاكم في سبب تأليف
كتابه هذا لما فيها من فوائد جليلة: حمل البقية من الملف المرفق.
حمل البقية من الملف من الرابط: http://www.salafishare.com/130SXRSSYURP/10P7KQN.doc (http://www.salafishare.com/130SXRSSYURP/10P7KQN.doc)
كتاب «فضائل فاطمة الزهراء» طُبع في القاهرة، وطُبع معه -أيضاً- كتاب آخر لعلي رضا -وفقه الله- بعنوان: «المقدمة الزهرا في الإمامة الكبرى» للذهبي.