تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أسلوب كتابته يتناسق مع أساليب الاجتهاد والاستنباط، إنّه عرض موضوعَ السيرة في قالب يمكن لدارسي السيرة والمطالعين إيّاها أن يجدوا فيها الدروس والعِبَر، وتَنَبَّط فيها جوانبَ العلم والاكتشاف، مُعرِضًا عن أسلوب سرد الوقائع والقصص. ونجد أنه يستنتج النقاط ويأتي بالاكتشافات من كل واقعة وحادثة؛ لأنه يرى أن حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم تحتل المكانةَ القانونية أكثرَ من أن تكون مجردَّ بيان الأيام والليالي ووقائع الحياة، ولا شك أن هذا الأسلوب لايتخذ الصبغةَ الجديدة المتناسقة من الأسلوب العلمي المعاصر وإنما يشير إلى طبيعته الأخّاذة ومذاقه الموفور بموهبة الإبداع والاستنتاج، فنرى أنه قد يسرد واقعة من الوقائع العادية بأسلوبه المميز البديع، لايترك القارئَ إلا أنّه يجد فيه نوعًا من الاكتشاف والابتكار.

ولو أخذنا مؤلَّفة من مؤلَّفاته، وسرحنا الأنظار على محتوياتها، نجد المعارفَ الجديدة والنِكاتَ العلمية مبعثرة فيها، ولوقُمنا بجمعها وتدوينها بين الدفتين لظهر مجلَّد ضخم يُروي غليل الباحثين، ونجد في كتاباته مالا نجد في كتب غيره. انتشل الدكتور – رحمه الله – من الوقائع مالم يلتفت إليه الآخرون.

الاستفادة من المخطوطات والمصادر القديمة

نجد مستوى كتابته في السيرة يرتفع جدًا ويتألّق، لايكتب واقعة إلاّ ويبحث فيها بحثًا دقيقًا وينخلها نخلاً، ولايتقاصر في البحث عن المصادر وتحقيق الواقعة بدقة؛ لذا يُوجَد الإكثارُ من الإحالة إلى المصادر القديمة في كتابته، فقد عثر على ذخائر نادرة منقطعة عند مساس الحاجة مالم يعثر عليها الغيرُ، وتقاصرت هممُ عامَّة أهل العلم دون الوصول إليها.

وكتاب "سيرة ابن إسحاق" الذي يُعْتَبر من أوثق المصادر الثابتة وأهمها وأقدمها وأغناها في السيرة النبوية، وكانت الإحالات والمقتطفات تُوجد في المؤلَّفات إلا أن الكتاب نفسَه كان منقرضًا؛ لكنه قد عثر عليه بجده واجتهاده المتواصل، وقام بنشره وطبعه بعد تحقيقه والتعليق عليه. وهكذا يسّر لأهل العلم الاستفادة من كتاب "أنساب الأشراف" للمؤرخ العالمي المعروف العلامة البلاذري بمساعيه الجادة وعمله الدؤوب، وكتاب "المحبر" لابن حبيب البغدادي الذي كان نادرًا مخَفيًّا عن أعين الناس، قد قام بطباعته وساعدَ أهلَ العلم في الانتفاع به بإخراجه إلى حيز الظهور. ولاشك أن مثلَ هذه الخدمات العلمية والمآثر الثقافية أبرزُ دليل وأزكى شهادة على حسن مذاقه في التحقيق، وأجلُّ برهان على مستواه الرفيع في مجال التأليف والتحرير.

والدكتور محمد حميد الله باعتباره الكاتبَ التحرير في "السيرة النبوية" يتمتع بميزة يمتاز بها عن الآخرين حيث أنه لم يكتف عند تدوين وقائع السيرة بالمواد الموجودة في الكتب والمراجع والمصادر، وإنما بحث فيه عمليًا، وتمتّع بالمعاينة والمشاهدة الشخصية عندما مسّت إليها الحاجة.

وعند تأليف كتاب "ساحة القتال في العهد النبوي" لم يتمكن من معرفة الوجوه والأسباب التي دفعت إلى إقامة القتال بمناسبة غزوة أُحد عقب عمران المدينة، ولم يجد نكتةً تُوحِيه سرَّ ذلك، فترك تأليف الكتاب وتوقف عن إتمامه. ولما تشرّف بالحج بعد عشرين سنة وحظي بسعادة زيارة المدينة المنورة وعاين الأماكنَ ومَرَافقها استعدّ لإنهاء تأليفه؛ ولكنه لم يقم بإكماله إلا بعد ما ارتفع الظلام وانجلت الغيام وزال التوتر والارتباك، وظل خائضًا في التحقيق والبحث ردحًا من الزمن حتى انكشف السر واطمئن القلب، ولا شك أن هذا المستوى الرفيع للبحث والتحقيق لا يوجد لدى معظم الكُتّاب في السيرة النبوية.

والدكتور طبيعته التحقيقية هذه إنما هي فطرته التي فطره الله عليها، فينظر إلى مساري الحياة ومجرياتها بمنظاره العلمي والتحقيقي فلا يتكل على مجرد الشهادة التاريخية وإنما يتناول حقائق العلوم الطبيعية أيضًا، ولايصرف النظر عن الاكتشافات العلمية.

أسلوب الواقعي والعلمي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير