تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتعلم سماحتكم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج كتابية، كما في سورة المائدة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المائدة: 5]، فهل يحرم على الزوج أن يود زوجته، والله تعالى يقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم: من الآية 21]، وهل يُحرّم على الابن أن يود أمّه الكتابية؟ أو يود جده وجدته، وخاله وخالته، وأولاد أخواله وخالاته؟ وكلهم تجب لهم صلة الرحم، وحقوق أولي القربى.

على كل حال أرجو من فضيلتكم ألاّ يكون الاختلاف في بعض المسائل الاجتهادية الفرعية حائلاً دون الفسح للكتاب، وها هو الشيخ الألباني يخالفكم في قضية حجاب المرأة المسلمة .. فهل تمنعون كتبه؟

وختمت الكتاب بالتحية والدعاء .. وأعتقد أن الشيخ استجاب لما فيه، وفسح لكتاب "الحلال والحرام" ولغيره من كتبي، والحمد لله " (*)

هذا الأدب الجم في الاختلاف، وهذا الحوار الراقي، وجوع روح التعصب بينهما والبعد عن الحدية في الآراء، مع إفساح المجال للآخر ليقول ما وصل اجتهاده إليه، بلا ازدراء أو تحقير، هو دأب العلماء المخلصين الذين يمكنهم إخلاصهم من مد جسور الود بينهم وبين الآخرين والانفتاح على آرائهم بحثاً عن الأرجح .. بعكس من يتكلف إثبات ما ذهب إليه انتصاراً لرأيه أو نفسه، أو من لا يأبه بقطع وشائج الأخوة و زيادة التباعد والهوة .. !

إن موقف الشيخين يبعث نوعاً من الاطمئنان في نفوسنا والثقة في علمائنا، وأنهم على خير مادام اختلافهم بعيداً عن الهوى والشقاق، وأن باعث رأي كل واحد منهم كان ما بوسعه الذي استفرغه للوصول إلى الحكم .. فلم يختلفوا لمخالفة بعضهم بعضاً أو تخطيء بعضهم بعضاً بل اختلفوا في طرق الوصول إلى تحقيق مقاصد الشريعة الغراء، كل بحسب فهمه وقدراته و ما لديه ..

وهما يعطياننا درساً في مراعاة القطعي والظني .. فهذا النوع من الاختلاف عادة ما يكون في مدار الظنيات إما في الثبوت أو الدلالة، بينما الأخوة قطعية الثبوت والدلالة، وأصل من أصول الدين يعلو فوق المسائل الفرعية الاجتهادية سواء كان الاتفاق أو الاختلاف، فالحفاظ على وحدة الصف فريضة وعبادة وقربة، اختلاف الرأي لا يسوّغ انكماشها أو التفريط فيها ..

لقد اختلف الكثير من السلف الصالح، لكن اختلافاتهم لم تفرقهم، أو يُجعل منها خصومة تمتد إلى الفجور .. لهذا قال الإمام الشاطبي: "ووجدنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ولم يفترقوا، ولم يصيروا شيعاً؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، وإنما اختلفوا فما أُذِن لهم من اجتهاد الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً، واختلفت في ذلك أقوالهم فصاروا محمودين؛ لأنهم اجتهدوا فيما أُمروا به ... وكانوا مع هذا أهل مودةٍ وتناصحٍ، أخوة الإسلام فيما بينهم قائمة ... ".

لكم هو مؤسف ما يحدث كثيراً الآن من إلحاق التشنيع والانتقاص لبعض العلماء والفقهاء وتنصيبهم كأهداف تنالها الألسنة والأقلام لمجرد عدم الرضا باجتهاداتهم الفقهية .. أو أن تتحول الكثير من الاجتهادات الفقهية في إطارها المشروع إلى تحزّبات وعصبيات مقيتة تقتل رونقها، و تُحفر بها الأخاديد بين الإخوة، وتُصيّر الهين إلى العظيم والدق إلى الجل .. بل و تكون أحياناً معقداً للولاء والبراء .. !

هاهما الشيخان يقدم كل واحد منهما الثناء بين يدي الآخر، و يجلي له مكانته، قبل أن يشرع في تبيان ما يخالفه فيه، كما كان سلفنا الصالح، ومن ذلك قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فتوى لابن مسعود وقد خالف اجتهاده فيها: "يرحم الله ابن مسعود، إنْ كان لفقيهاً" ..

كما أنهما شجّعا على الحوار والنقاش، لتفتح السراديب المغلقة، فيعرف كل واحد ما لدى الآخر، و هو حتى وإن لم يمح التباين بين الآراء إلاّ أنه يضيّق مساحته، ويوسّع مساحة المشترك، ويوطّن على قبول الآراء الأخرى واحترامها وتقدير الاجتهاد الذي أدّى إليها، وحفظ مكانة صاحبه، مادامت المسائل اجتهادية، ولا ثمة مصادرة للنصوص .. بدلاً من حجب عرض الآراء، و أدلتها والقفز إلى الأحكام والمطالبة بقبولها وأنها حقيقة مطلقة .. أو اتخاذ سياسة المنع والتضييق و الوصاية الفكرية، لاسيما وأن الأمر به مندوحة، وأن طبيعة الفقه الإسلامي تقتضي هذه التعددية في الآراء .. وأن ذلك كالمهماز الذي يستحث سير الاجتهاد ويدير عجلة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير