تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال بن رجب الحنبلي: "لما كان الله ـ سبحانه ـ قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادراً على مشاهدته كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين".

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟

فأجاب: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة".

وقال ابن القيم مقارناً بين فضل تلك الأيام: "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر" كما في سنن أبي داود عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر). ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر. وقيل: يوم عرفة أفضل منه؛ لأن صيامه يكفر سنتين، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأنه ـ سبحانه وتعالى ـ يدنو فيه من عباده، ثم تباهي ملائكته بأهل الموقف "

لقد جمعت هذه العشر حقاً الخير من أطرافه، فصارت بحق جماعاً للخير، فما من عمل صالح إلا ويستحب فيها، وما من أيام هذا العمل الصالح فيها خير منها .. فهي خير محض للنفس الطاهرة النقية، وهي دورة روحية إيمانية تتبوأ من العام مكان الصدارة من حيث خيرية الأيام.

بين الحج والثج:

أما من وفقه الله لحج بيته فقد وفقه إلى خير ما يحب، وقد اختاره ليغسله من ذنوبه ويرجعه – إن أخلص نيته وأحسن حجه – كيوم ولدته أمه، ويسر له أن يفتح سجلاً جديداً أبيض يبتدئ فيه عهداً إيمانياً جديداً.

فثياب الإحرام تخرجه من حيز رؤية المتاع وتضعه في حيز رؤية الكفن، فلا زينة خداعة، ولا شهوة مغفلة، ولا صراعاً أحمق على الدنيا الزائلة، فالكل في ثوب الإحرام سواء تماماً كما هم في الثوب الأخير، والكل خائفون من الذنب راجون الرحمة التي وسعت كل شيء.

وليعلن المؤمنون يوم الحج إعلاناً عالمياً – في وقت تنزف فيه الأمة وتسيل دماؤها – أن شعوب المسلمين في كل أنحاء الأرض هم على قلب واحد، ومنهج واحد، وهدف واحد .. يعبدون رباً واحداً، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فليخسأ عندئذ الشيطان وأولياؤه، وليعتز كل مسلم بدينه، ذاك الدين الذي يعلوا؛ إذ إن الله مولاه وأعداؤه لا مولى لهم .. !!

وفي ذات الوقت الذي يثج فيه الحجيج دماء هديهم .. وينهر المضحون دماء أضاحيهم يوم النحر وتعلوا في الآفاق أصوات التكبير .. يقدم الشهداء الصالحون في كل ربوع الأرض دماءهم ونفوسهم طيبة رخيصة لوجه الله ربهم، فتبتسم شفاههم عند آخر أثر للروح، ويستقبلون الآخرة يثج منهم الدم .. اللون لون الدم .. والريح ريح المسك ..

كيف يستغل المربون أيام العشر؟

تعد أيام العشر من ذي الحجة فرصة تربوية يستطيع كل مرب أن يستغلها في التوجيه إلى معالي الفضائل والأخلاق، كما يستطيع أن يجعلها منطلقاً صحيحاً لتجديد نفسي سنوي لمتربيه ومتعلميه على مستوى الإيمان والتوبة والعمل الصالح، ونحن نقترح أن يكون ذلك من خلال بعض المحاور الأساسية:

أولا: صناعة البيئة الإيمانية:

فالمنهج الإسلامي يساعد المربي في تلك الأيام على تهيئة البيئة الإيمانية وصناعة الجو الإيماني العام المؤثر على الأفراد المراد توجيههم.

فالصيام والتكبير والذكر وعدم الأخذ من الشعر أو الأظفار- للمضحين - وارتفاع أصوات التلبية من الحجيج في شتى الأماكن تنقلها الإذاعات ووسائل الإعلام وشراء الأضاحي والاستعداد ليوم النحر، كل ذلك يساعد المربي على إكمال الجو الإيماني المطلوب.

ودور المربي هنا هو استغلال ذلك بأعمال دعوية تكون ذلك الجو الإيماني الصالح، فيدعو متربيه إلى لزوم المساجد لأوقات قد تطول بعض الشيء وينتظرون من خلالها الصلاة بعد الصلاة، ويتلون من خلالها القرآن، ويتحينون الفرصة عند الإفطار في كل يوم للدعاء الصالح والمناجاة ..

كما يمكن المشاركة في بعض الأعمال الجماعية التي تنشئ روح التضحية والبذل كالاجتماع على صناعة طعام للصائمين، ودعوة الفقراء لذلك الطعام الذي قد أعدوه بأنفسهم وتعبوا في إعداده وتعاونوا على الإنفاق عليه من أموالهم الخاصة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير