قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعد شرح هذا الحديث: «وهذا مما يُزهِّد العبد في الصحة الدائمة خوفاً أن تكون طيباته عُجِّلت له في الحياة الدنيا، والله - تعالى - لم يرضَ الدنيا لعقوبة أعدائه، كما لم يرضها لإثابة أوليائه، بل جعل ثوابهم أن أسكنهم في جواره ورضي عنهم ... » [7].
- لا يصح - شرعاً ولا قدَراً - أن يُعتمد على التداوي واللقاح؛ فالالتفات إلى الأسباب شرك، والاعتماد على غير الله لا يحقق المقصود ولا يُتم المنشود، والسبب لا يستقل بنفسه في حصول المطلوب، فما لم يكن بالله لا يكون، والتداوي سبب في الأعم الأغلب وليس سبباً مطرداً في حصول المطلوب، كما حرره ابن رجب في لطائف المعارف [8].
وقرر ابن تيمية أن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة [9].
وقال ابن عبد البر: «وإنما التداوي مباح لا سنَّة ولا واجب، وليس العلم به علم موثوق به، بل هو حظٌّ وتجربة» [10].
وقال ابن تيمية: «إن كثيراً من المرضى يُشفَوْن بلا تداوٍ ... فالتداوي ليس من الضرورة في شيء، والتداوي غير واجب [11]، ومن نازع فيه خصمته السُّنَّة في المرأة السوداء ... إلخ» [12].
- وأما اضطراب الاتِّباع للشرع المنزَّل، والتوثُّب على قواعد الدين ومبانيه، فمن خلال ما سوَّده هواة الأقلام وأضرابهم ممن لا يرجون لشعائر الله وقاراً، فقد «اقترح» هؤلاء النوكى [13] ممن يؤلِّهون الصحة والعافية الامتناعَ عن الحج، كما سوَّغ بعضهم ترك الجمعة والجماعات إمعاناً في إيثار السلامة والوقاية!
وقد سئل العلامة محمد رشيد رضا - رحمه الله -: «هل يجوز لأي مسلم مَنْعَ مسلم من أداء الحج ... ؟
فكان مما قاله: «من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، هو أنه لا يجوز لأحدٍ منع أحد من إقامة دينه وأداء فرائضه، ومن استحلَّ ذلك، فحكمه معلوم بالضرورة لا خلاف فيه بين المسلمين في كفره ... » [14].
ورحم الله سماحة العلَّامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ متحدثاً عن أضراب هذا الصنف، إذ قال: «لقد انطلقت ألسنة كثير من المتعلمين، وجرت أقلام الأغبياء والعابثين، وطارت كلَّ مطار في الآفاق كلمات المتسرعين، واتُّخذت الكتابة في أحكام المناسك وغيرها تجربة لأقلام بعض.
ولعمري لئن لم يُضرَب على أيدي هؤلاء لتكونن العقبى التي لا تحمد، ولتأخذن في تماديها إلى أن تكون المناسك ألعوبة للاعبين، وفساداً فاشياً في تلك العبادات، وليقومن سوق غث الرخص، وليبلغن سيل الاختلاف في الدين والتفرق فيه الزبا ... » [15].
والمقصود أن قيمة المرء ما يحسنه؛ فلا يسوغ لرفيق أو متطبب أو صحفي ونحوهم أن يخوضوا في مسائل الشرع المطهَّر، فرحم الله من عرف قدر نفسه، واشتغل بما يجيده، ولَزِم التسليم للوحي، وأعطى القوس باريها.
فاللهم إنَّا نسألك العفو والعافية والمعافاة، كما نسأله - سبحانه - الرضى بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت.
< hr align="right" color="#000080" width="250"> (*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض.
[1] الرعاية: ص 453.
[2] التحفة العراقية (مجموع الفتاوى): 10/ 32، وانظر: 10/ 673.
[3] شفاء العليل = باختصار: ص 524، 525.
[4] انظر زاد المعاد: 4/ 188 - 196.
[5] زاد المعاد: 4/ 194، 195 = باختصار.
[6] أخرجه: الترمذي وحسنه الألباني.
[7] تيسير العزيز الحميد: ص 534.
[8] انظر: وظائف شهر صفر من كتاب لطائف المعارف.
[9] انظر: مجموع الفتاوى: 18/ 12.
[10] التمهيد: 5/ 279.
[11] لعل مقصوده - رحمه الله - أنه ليس واجباً بإطلاق في جميع حالات التداوي.
[12] مجموع الفتاوى: 18/ 183.
[13] النوكى: جمع أَنْوَك وهو الأحمق.
[14] فتاوى محمد رشيد رضا: 4/ 1559.
[15] فتاوى محمد بن إبراهيم: 6/ 47، 48 = باختصار.
ـ[ابن عبدالباقى السلفى]ــــــــ[05 - 12 - 09, 02:13 ص]ـ
بارك الله فيك.
و بارك الله فى الشيخ د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف.
مقال ماتع ..