وقال سعيد بن العاص: «لجليسي عليَّ ثلاث: إذا أقبل وسَّعْتُ له، وإذا جلس أقبلت إليه، وإذا حَدَّثَ سمعتُ منه». [المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي، انتقاء أبي الطاهر السلفي ص54.]
وقال الحسن: «إذا جالست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتَعَلَّمْ حسن الاستماع كما تَعَلَّمُ حسن القول، ولاتقطع على أحد حديثه». [المنتقى من مكارم الأخلاق ص155.]
وقال أبو عباد: «للمحدِّث على جليسه السامع لحديثه أن يجمع له باله، ويصغي إلى حديثه، ويكتم عليه سره، ويبسط له عذره». [زهر الآداب1/ 195.]
«وذكر رجل عبدالملك بن مروان فقال: إنه آخذ بأربع، تارك لأربع:
آخذ بأحسن الحديث إذا حَدَّث،
وبأحسن الاستماع إذا حُدِّث،
وبأحسن البشر إذا لُقي،
وبأيسر المؤونة إذا خولف.
وماكان تاركاً لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج، ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون». [عيون الأخبار1/ 307.]
المأبون: المتهم بالسوء والذي يرمى بالقبيح.
«وذكر الشعبيُّ قوماً، فقال: مارأيت مثلهم أشدَّ تناوباً في مجلس، ولا أحسن فهماً من محدث». [عيون الأخبار1/ 308.]
16_ الاستخفاف بحديث المتحدث:
فمن الناس من إذا سمع متحدثاً يتحدث في مجلس، وبدر من ذلك المتحدث خطأ يسير أو نحو ذلك_سفَّهه، وبكَّته، واستخف بحديثه.
ومن هذا القبيل مايوجد عند بعض الناس، فما أن يتكلم أحد في مجلس إلا وتبدأ بينهم النظرات المريبة، التي تحمل استخفافاً وسخرية بالمتحدث.
وهذا الصنيع لايحسن أبداً، وليس من صفات عظماء الرجال وأكابرهم؛ فهم يُجلّون من يحدثهم، ولايرضون بإهانته في حضرتهم طالما أنه لم يَحِدْ عن الرشد، حتى ولو أخطأ؛ فإنهم يتغاضون عن خطئه، ويتعامون عن زَلَّتِه، وإذا ماكان الخطأ كبيراً فإنهم يبينون الخطأ، ويرشدون إلى الصواب بأجمل عبارة، وألطف إشارة.
قال ابن حبان رحمه الله: «أنبأنا أبو يعلى حدثنا عبدالله بن حمد بن أسماء، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالساً عند عطاء ابن أبي رباح، فحدث رجل بحديث، فعرَّض رجل من القوم في حديثه.
قال: فغضب، وقال: ماهذه الطباع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم به، فأريه كأني لاأحسن شيئاً». [روضة العقلاء ص72، وانظر صفة الصفوة لابن الجوزي2/ 144.]
17_ المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث:
فهناك من إذا تحدّث أحد أمامه بحديث، أو قصة، أو خبر، وكان يعلم ذلك من قبل_بادر إلى إكمال ذلك عن المتحدث، إما بقصد الإساءة إليه، وإما بإشعاره وإشعار السامعين بأن حديثه معاد مكرور، وإما ليبين أنه يعلم ذلك من قبل.
وهذا ليس من صفات ذي المروءة؛ إذ المروءة تقتضي أن تنصت للمتحدث ولو كنت تعلم حديثه من قبل.
قال المدائني: «أوصى خالد بن يحي ابنه فقال: يابني، إذا حدَّثك جليسك حديثاً
فأقبل عليه،
وأصغِ إليه،
ولاتقل قد سمعته_وإن كنت أحفظ له_وكأنك لم تسمعه إلا منه_؛
فإن ذلك يكسبك المحبة والميل إليك». [بهجة المجالس1/ 43، وانظر تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم لابن جماعة ص156_157.]
وقال ابن سعدي: «ومن الآداب الطيبة إذا حدَّثك المحدِّث بأمر ديني أو دنيوي ألا تنازعه الحديث إذا كنت تعرفه، بل تصغي إليه إصغاء من لايعرفه، ولم يَمُرَّ عليه، وتريه أنك استفدت منه، كما كان أَلِبَّاءُ الرجال يفعلونه.
وفيه من الفوائد تنشيط المحَدِّث، وإدخال السرور عليه، وسلامتك من العجب بنفسك، وسلامتك من سوء الأدب؛ فإن منازعة المحدث في حديثه من سوء الأدب». [الرياض الناضرة ص548.]
وإلى هذا المعنى الجميل يشير أبوتمام [أقوال مأثورة ص285 عن طرائق الحكمة 1/ 73.] بقوله:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلمُ ردَّ جوابِه
وتراه يصغي للحديث بسمعه ... وبقلبه ولعله أدرى به
قال ابن المقفع: «وإذا رأيت رجلاً يحدِّث حديثاً قد علمته، أو يخبر خبراً قد سمعته_فلا تشاركْه فيه، ولا تَتَعَقَّبْهُ عليه؛ حرصاً على أن يعلم الناس أنك قد علمته؛ فإن في ذلك خِفَّةً، وسوء أدب، وسخفاً». [الأدب الكبير والأدب الصغير ص136.]
وقال: «ومن الأخلاق التي أنت جدير بتركها_إذا حَدَّث الرجل حديثاً تعرفه ألا تسابقه إليه، وتفتحه عليه، وتشاركه فيه؛ حتى كأنك تظهر للناس أنك تريد أن يعلموا أنك تعلم مثل الذي يعلم.
وما عليك إلا أن تُهنئه بذلك، وتفرده به.
¥