وبعدها عرفت عن مولوي بركة الله الداعية الهندي ومجلته " الإخوة الإسلامية " التي أصدرها في طوكيو ما بين 1910 - 1912. وما تركت مكاناً في العالم إلا وفتشت فيه عن هذه المجلة حتى حصلت على عددين منها من المكتبة البريطانية. بل ذهبت إلى الهند وإلى مدينة بهوبال بالذات لتتبع أخبار الرجل فهو في الأصل من هذه المدينة. كما أنني علمت عن السيد يامادا في مدينة كاماكورا وهو نجل يامادا الكبير الذي ذهب إلى إسطنبول عام 1893م وقبل السيد يامادا ذهب السيد نودا في عام 1891م لحمل الهدايا من الشعب الياباني إلى ضحايا باخرة " آل طغرل" العثمانية التي غرقت عند سواحل اليابان عام 1890م, زرت كاماكورا عام 1978م - قبيل مغادرتي اليابان وإنهاء عملي في المركز الإسلامي- زرتها مع الحاج مصطفى كومورا والأخ يوسف يوشيكاوا. كما أعلمت المرحوم "أبو بكر موري موتو" بالموضوع فذهب إلى كاماكورا وحصل على عدد من الوثائق المهمة عن السيد يامادا.
كما علمت عن السيد "هاجي مي كوباياشي" وكتابه" العلاقات اليابانية الإسلامية قبل عهد ميجي" وترجمت البحث إلى اللغة الإنجليزية. وتطور الأمر معي فكلفت شبكة من الباحثين المساعدين لي في كل من بريطانيا وتركيا والهند وباكستان وأندونيسيا لرصد أصول العلاقات الإسلامية اليابانية, وإننا الآن نسعى للإطلاع على الأرشيف العثماني لعلنا نجد بعض الوثائق التي تتعلق بالموضوع. إن كل ما توصلت إليه أودعت نسخاً منه لدى الأستاذ إيتاجاكي الأستاذ في جامعة طوكيو سابقاً والأستاذ في جامعة "طوكيو كيزاي" حالياً لتكون في متناول الباحثين اليابانيين في الموضوع.
لقد إطلعت مرة على محاضرة ألقاها عبد الرشيد إبراهيم في جمعية "الشبان المسلمين" في القاهرة ولعلها كانت في عام 1933م قال فيها: إن إمبراطور اليابان كتب مرة للسلطان عبد الحميد: " إني وإياك تحت ضغوط الدول الكبرى فلنجعل شعوبنا تتعرف على بعضها لذا نرجو منك أن تبعث لنا أناساً يشرحون لشعبنا من أنتم وما هو دينكم؟ "
من هذا الحدث وغيره يظهر أن كلاً من اليابانيين والمسلمين قد أبدى إهتمامه بالآخر لأغراض عديدة: سياسية, واقتصادية, وتوسعية, وإنسانية حيث كانت في آسيا إمبراطوريتان مستقلتان تواجهان الضغوط الغربية هما اليابانية والعثمانية, فمن الطبيعي أن تجري محاولات للتعارف والتعاون والإتصال.
آل طغرل وبدء العلاقات اليابانية العثمانية
وذكر التاريخ أن أهم زيارة هي التي قام بها الأمير كوماتسو أحد أقرباء الأمبراطور ميجي والذي منحه السلطان عبد الحميد أعلى النياشين, وأعقبها زيارة الفرقاطة "آل طغرل" بقيادة المشير عثمان باشا ومعه أكثر من 600 جندي وخريجي الأكاديمية البحرية حديثي التخرج. غادرت تلك الباخرة إسطنبول ومرت بالسويس وجدة وعدن وبومباي وكولمبو وسنغافورة وهونك كونغ. وفي كل ميناء كان المسلمون يستقبلون الباخرة وطاقمها بالفرح والتظاهر, فكانت فعلاً باخرة الصداقة والمحبة.
ومكثت البعثة ثلاثة أشهر في طوكيو وقدم المشير عثمان باشا الهدايا والنياشين للإمبراطور ميجي وعادت الباخرة متوجهة إلى اسطنبول , إلا أنها وهي لا تزال في الشواطيء اليابانية هب عليها إعصار شديد في مساء يوم 16 سبتمبر 1890م مما أدى إلى تحطمها وغرق أكثر من 500 من طاقمها بما فيهم قائدها ونجى منهم حوالي الستين. وقد هزت الحادثة كلاً من اليابان والدولة العثمانية, إلا أن هذا الحدث كان نقطة مهمة في تاريخ العلاقات اليابانية الإسلامية وانبثاق نور الإسلام في اليابان, فقد حُمِلَ الناجون من الكارثة بباخرة يابانية إلى إسطنبول ودفن من إستشهد في نفس الموقع, وعمل نصب تذكاري لهم ومتحف لا يزال قائماً. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا يتم الإحتفال بالحدث كل خمس سنوات مرة في اليابان والأخرى في تركيا. ولقد حضرت أحدهما عام 1974م في اليابان في نفس موقع غرق الباخرة في محافظة واكاياما وكان معي المرحوم عمر ميتا. كما حضرت زوجة الرئيس التركي السابق المرحوم أوزال الأحتفال في اليابان عام 1990م. وهذا يظهر عمق الصداقة اليابانية الإسلامية وإخلاص الشعب الياباني في علاقاته الإنسانية مع الأصدقاء.
¥