وقال الصوري: سمعت الحافظ عبد الغني , يقول: أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة:ابن المديني في وقته , وموسى بن هارون -يعني: ابن الحمال- في وقته , والدارقطني في وقته.
وقال القاضي أبو الطيب الطبري: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الأزهري: كان الدارقطني ذكيا, إذا ذكر شيئا من العلم أي نوع كان , وجد عنده منه نصيب وافر , لقد حدثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع أبي الحسن دعوة عند بعض الناس ليلة , فجرى شيء من ذكر الأكلة , فاندفع أبو الحسن يورد أخبار الأكلة وحكاياتهم ونوادرهم , حتى قطع أكثر ليلته بذلك , قال الأزهري: ورأيت ابن أبي الفوارس سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم , فأجاب , ثم قال: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري.
قال القاضي أبو الطيب الطبري: حضرت الدارقطني وقد قرئت الأحاديث التي جمعها في مس الذكر عليه , فقال: لو كان أحمد بن حنبل حاضرا لاستفاد هذه الأحاديث.
وقال أبو بكر البرقاني: كان الدارقطني يملي علي العلل من حفظه.
قلت: إن كان كتاب " العلل " الموجود , قد أملاه الدارقطني من حفظه , كما دلت عليه هذه الحكاية , فهذا أمر عظيم , يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا , وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن , وقد جمع قبله كتاب " العلل " علي بن المديني حافظ زمانه.
قال رجاء بن محمد المعدل: كنا عند الدارقطني يوما والقارئ يقرأ عليه وهو يتنفل فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق , فقال القارئ: بشير , فسبح الدارقطني , فقال: بشير , فسبح فقال: يسير. فتلا الدارقطني: ن وَالْقَلَمِ. وقال حمزة بن محمد بن طاهر: كنت عند الدارقطني وهو قائم يتنفل , فقرأ عليه أبو عبد الله بن الكاتب: عمرو بن شعيب , فقال: عمرو بن سعيد , فسبح الدارقطني , فأعاد , وقال: ابن سعيد ووقف , فتلا الدارقطني: يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ فقال ابن الكاتب: شعيب.
قال أبو الحسن العتيقي: حضرت أبا الحسن , وجاءه أبو الحسين البيضاوي بغريب ليقرأ له شيئا , فامتنع واعتل ببعض العلل , فقال: هذا غريب , وسأله أن يملي عليه أحاديث , فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين , متن جميعها: " نعم الشيء الهدية أمام الحاجة " قال: فانصرف الرجل , ثم جاءه بعد , وقد أهدى له شيئا , فقربه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثا , متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
قلت: هذه حكاية صحيحة , رواها الخطيب عن العتيقي , وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام , وعلى أنه لوح بطلب شيء , وهذا مذهب لبعض العلماء , ولعل الدارقطني كان إذ ذاك محتاجا , وكان يقبل جوائز دعلج السجزي وطائفة , وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرج له المسند.
قال الحاكم: دخل الدارقطني الشام ومصر على كبر السن , وحج واستفاد وأفاد , ومصنفاته يطول ذكرها.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي فيما نقله عنه الحاكم: وقال: شهدت بالله إن شيخنا الدارقطني لم يخلف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة والتابعين وأتباعهم , قال: وتوفي يوم الخميس لثمان خلون من ذي القعدة من سنة خمس وثمانين وثلاث مائة وكذا أرخ الخطيب وفاته.
وقال الخطيب في ترجمته: حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا , قال: رأيت كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة , فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام.
وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام.
قلت: لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام ولا الجدال , ولا خاض في ذلك , بل كان سلفيا , سمع هذا القول منه أبو عبد الرحمن السلمي.
وقال الدارقطني: اختلف قوم من أهل بغداد , فقال قوم: عثمان أفضل , وقال قوم: علي أفضل , فتحاكموا إلي , فأمسكت , وقلت: الإمساك خير , ثم لم أر لديني السكوت , وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم , وقل لهم: أبو الحسن يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذا قول أهل السنة , وهو أول عقد يحل في الرفض.
¥