تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[في تاريخ التوراة]

ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[01 - 10 - 2006, 03:09 ص]ـ

الترجمة السبعينية

إن الترجمة السبعينية لكتب العهد القديم من العبرية إلى اليونانية وثيقة تاريخية مهمة ليست كغيرها من ترجمات العهد القديم لأنها بمثابة "الأصل" لكل النسخ المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكية، أكبر كنائس الديانية المسيحية، بل هي الأصل المباشر للترجمة اللاتينية اللاحقة المعروفة باسم Vulgata والتي منها ترجمت أسفار العهد القديم إلى لغات الأمم التي تدين بالكاثوليكية.

وأُبسِّط في تقديم المادة إفادةً للإخوان غير المتخصصين:

أولاً: كانت العبرية التوراتية مستعملة حتى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. بادت العبرية التوراتية كلغة محكية، وأصبحت لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار، وحلّت الآرامية محلها بالتدريج، وبقي الحال هكذا حتى قام الإسكندر المقدوني باحتلال المشرق وبناء الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد. سكن الاسكندرية، فيمن سكنها، طائفة من اليهود الذين أصبحوا يتحدثون باليونانية. استعجم كتاب العهد القديم على هذه الطائفة اليهودية الساكنة في الإسكندرية لأن أفرادها صاروا يتحدثون اليونانية في وقت أصبحت العبرية فيه لغة دينية فقط لا يفهمها إلا الأحبار. قام هؤلاء الأحبار بترجمة أسفار العهد القديم إلى اليونانية. تسمى هذه الترجمة بالترجمة السبعينية ( Septuaginta)، وهي أقدم ترجمة لكتاب العهد القديم إلى لغة أخرى.

إذاً ترجم اليهود كتاب العهد القديم إلى اليونانية لاستعمالهم الديني المخصوص بهم وذلك قبل ظهور الديانة المسيحية. فالترجمة إذاً حرفية وشملت كل الكتب التي كان كتاب العهد القديم يحتوي عليها آنذاك. وعليه فإن الترجمة السبعينية هي ترجمة يونانية للنص العبري للعهد القديم كما كان اليهود قنَّنوه واعتمدوه في القرن الثالث قبل الميلاد. ويحتوي هذا النص المعتمد لديهم على 47 سفراً.

ثانياً: نشأت الديانة المسيحية التي ترى في كتاب العهد القديم البعد التاريخي واللاهوتي لها، وأدّى هذا المعتقد إلى تشويش الأمر الديني لدى اليهود، لأن الديانة المسيحية تقسم التاريخ البشري إلى عهدين كبيرين: العهد القديم وهو عند المسيحيين العهد الذي اصطفى الله فيه آل إسرائيل والذي كان بمثابة التمهيد لمجيء المسيح عليه السلام، الذي افتتح بمجيئه عهداً جديداً للبشرية أنهى العهد العهد القديم وألغى اصطفاء الله آل إسرائيل ... وأضافت العقيدة المسيحية المتعلقة بالخطيئة الأزلية بعداً دينياً عميقاً لهذا الفصل ين العهدين. وغني عن التعريف أن اليهود لا يسمون كتب العهد القديم بالعهد القديم لأنهم لا يؤمنون بالتصنيف المسيحي لديانتهم أو كتبهم ولا يؤمنون بمبدأ النسخ على الإطلاق، بل يسمونه بأسماء كثيرة أشهرها "تاناخ" (كلمة مكونة من أحرف أجزاء العهد القديم الثلاثة: التوراة، الأنبياء، الكتب) أو "مِقرأ" (اسم الآلة من "قرأ"). وقد مر معنا في مداخلة سابقة أن اليهود المستعربين كانوا يسمون كتاب العهد القديم "بالقرآن". ومن الجدير بالذكر أن الديانة المسيحية ركّزت على تلك الأسفار من العهد القديم التي ارتأت فيها تبشيراً بمجيء المسيح عليه السلام، مثل كتاب "نبوءة عيسى بن سيراخ" وغيره مما اصطلح فيما بعد على تسميته أو تسمية بعضه بالأبوكريفا أي "الأسفار الزائفة".

ثالثاً: سبب نشوء ديانة جديدة هي المسيحية واعتبارها أسفار اليهود المقدسة عهداً قديماً يمهد لعهد قديم ورطة كبيرة لليهود جعلتهم يراجعون أنفسهم. وأدت هذه المراجعة للذات التي أتت نتيجة للتطورات الدينية والسياسية الحاصلة آنذاك إلى إعادة تقنين كتب العهد القديم. أدت هذه العملية التي تمت في القرن الثاني للميلاد في اجتماع مشهور لأحبار اليهودية في مدينة يامنة في آسية الصغرى إلى إسقاط مجموعة من أسفار العهد القديم بحيث أصبح عدد أسفاره 36 سفراً بدلاً من 47 سفراً.

إذاً صار عندنا من الآن فصاعداً نصان للعهد القديم: واحد باليونانية، هو الترجمة السبعينية، مكون من 47 سفراً، وواحد بالعبرية، قُنِّنَ في القرن الثاني للميلاد، مكون من 36 سفراً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير