حكاية سحَّارة (7) " المعلم مسعود "
ـ[معاوية]ــــــــ[20 - 09 - 2006, 01:05 ص]ـ
..
قراءة من كتاب خرافي
لعبد الله بن محمد الغذامي ....
1 - حكاية سحَّارة
" الشطر الثاني من حكاية المعلم مسعود "
- 7 -
عدت إلى المدرسة ودخلت مباشرة إلى قاعة الفصل، وطلبت من التلاميذ كتابة موضوع التعبير عن مشاهداتهم في الإجازة الصيفية الماضية. وجلست أرقب الأنامل الصغيرة تخط وتمحو على الورقات، وكان كل شيء في الفصل يمر بشكل عادي عدا شيء واحد فحسب، وذلك هو وجه التلميذ المهذب جدًا والذكي جدًا (سمير)، لقد كانت قسمات وجهه ترتفع وتهبط وكأن مضخة هوائية قد غرست من تحت سحنة وجهه. ولقد أثارني هذا المنظر مما دفعني إلى الذهاب نحو ماصة سمير واستراق النظر إلى ورقته حيث وجدته يكتب بانفعال هائج عن منظر (بحيرة) تحت جسر (العروبة) وسط شارع (التخصصي). وهنا تحركت كل حواسي الإنسانية والتربوية فأخذت (سمير) إلى طرف الفصل وهمست في أذنه قائلاً: (يا بني هناك أشياء يحسن بنا ألا نكشفها للناس. إنها قصصنا الخاصّة وفلذات أرواحنا مما لا يصدقه سوانا .. إنها من المضنون به على غير أهله).
قلت هذا الكلام وتركت سمير يعود إلى ماصته بعد أن أوصيته أن يكتب عن الإجازة الصيفية. ولم يرد علىَّ سميربشيء سوى أن قال لي: أبشر يا أستاذ. وهذا ما جعلني أطمئن على سمير وعلى (راحته).
ـ[معاوية]ــــــــ[20 - 09 - 2006, 12:46 م]ـ
7
7 - حكاية سحَّارة
- 8 -
مرّت الأيام ثقالاً حتى شارفنا نهاية العام الدراسي وبدأنا الاستعداد للامتحانات النهائية ولشهور الصيف البليدة، وكان كل شيء يوحي بالضجر والعادية والبلادة، وكان الوجه الوحيد الذي تبدو عليه علامات الفرح هو وجه السيد ناظر المدرسة الذي ظل يمارس هوايته بالتجول في الممرات وعلى وجهه ابتسامة تعلن عن رضاه وعن سعادته بهذه البلادة التي تخيم على كل معالم المدرسة وناسها.
وقبل بداية الامتحانات بيومين فوجئ كل من في المدرسة بوجود لوحات معلقة على مشارف الطرقات وعليها كلمات ضوئية تبشر بقرب إعلان اسم المدرّس المثالي في المدرسة. وهذا عمل لم تتعود عليه المدرسة ولم يسبق له من سابقة.
وبعد ساعات من هذا الإعلان الاحتفالي المفاجئ وقع ما لم يكن في الخيال، لقد شعت كل اللوحات باسم المعلم مسعود.
أنا ... ؟!
معلم مثالي ... ؟!
ـ[معاوية]ــــــــ[20 - 09 - 2006, 01:07 م]ـ
- 9 -
كان فرحي فوق كل طاقاتي وأكبر من كل حدودي، ولذا فقد انطلقت أجري وأركض في الممرات ضاحكًا ومبتهجًا أعانق من يمر بي ومن يشيح عني ووجدت نفسي أنط وأقفز من فوق الكراسي والنوافذ وأتسلق الجدران حتى خرجت إلى فناء المدرسة ونظرت إلى شجرة السدر الكبيرة التي تملأ الفناء وترتفع شاهقة إلى عنان السماء وأحسست بجسدي يشف ويشف وإذا بي أطير محلِّقًا وأنط من غصن إلى غصن وسط شجرة السدر الشاهقة وصرت أطير بين الأغصان حتى بلغت ذروة السدرة ووجدت الفضاء أمامي وكأنه حضن حنون يدعوني إليه ورحت أسبح في الهواء جذلاً محبورًا ولمحت بجانبي جسدًا صغيرًا يطير معي وتتعالى منه الضحكات والزغردات، ونظرت في وجهه فإذا هو (سمير)، يطير معي ويفرح لفرحي، وظللنا في الأعالي بضع دقائق عدنا بعدها إلى (السدرة) قافزين عليها غصنًا غصنًا إلى أن هبطنا في الفناء حيث تجمع طلاب المدرسة يطلبون مني ومن سمير تعليمهم الطيران فوق (السدرة).
- 10 -
لقد جرت الأمور بتلقائية تامة ولم نكن نقصد إحراج السيد الناظر أو التآمر عليه، وإني لأقسم بالله العلي العظيم أنني ما أردت قط أن أتسبب على السيد الناظر بأي شيء مما حدث بعد ذلك. ولقد تأسفت كثيرًا حينما جاءتني الأخبار بأن الناظر قد استقال من العمل في مدرستنا، كما أنني تألمت كثيرًا لما يتناقله الناس عن ناظرنا العزيز الذي صار يقول إنه لا يريد أن يكون مديرًا لمدرسة المجانين.
ـ[معاوية]ــــــــ[20 - 09 - 2006, 08:14 م]ـ
مر حتى الآن بضعة أشهر ومدرستنا من دون ناظر ولقد سمعنا أن كل المرشحين اعتذروا بسبب ما سمعوه من كلام عن مدرستنا أو مدرسة المجانين كما صاروا يسمونها. ولكن جاءتنا أخبار يبدو أنها أكيدة حيث تواترت الإشاعات وتوحدت حولها، وهي إشاعات تقول إن شابًا من الطائف قد ترشح لمدرستنا ويُقال إنه ثقفي له خبرة في التعليم. وحينما كان طالبًا في الكلية حصل على امتيازات عديدة منها وسام الشرف ووسام (طلاع الثنايا) وجرى تتويجة بأحسن كنية تملكها الكلية وهي كنية (ابن جلا)، وهذا ما تقوله الإشاعات وكل ذلك أخبار طيبة ومشجعة لولا أننا سمعنا أمس أن الأستاذ (طلاع الثنايا) متخصص بإدارة المجانين، وهذا أزعجنا بعض الشيء، ولكننا على الرغم من هذا نشعر بشيء من الفرح ونتطلع إلى عهد بهيج مع الأستاذ الثقفي (طلاع الثنايا) فربما يتحقق لمدرستنا ما تحلم به من التسامح والحرية على يد (ابن جلا) لا سيما وأنه رجل متخصص في تعليم الصغار وله خبرة معهم في بلدته ومسقط رأسه.
...
انتهت الحكاية السابعة