تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

موقف السّيُوطي من الأغلاط اللغَويّة - سَمر روحي الفيصَل

ـ[أم هشام]ــــــــ[25 - 08 - 2006, 09:58 م]ـ

يعتقد الباحث أن جلال الدين السيوطي لا يملك موقفاً من الأغلاط اللغوية، على الرغم من أن مؤلفاته (1) تُنبئ بعكس ذلك، وتشير إلى اهتمامه بهذا الحقل الذي شغل سابقيه (2) ذلك أن ثبت مؤلفات السيوطي يضم مخطوطة (3) في ثمان وعشرين ورقة، عنوانها "غلطات العوامّ"، تدل دلالة مباشرة على اهتمام السيوطي بموضوع الأغلاط اللغوية. ولكن هذه المخطوطة لم تحقق لأن المعنيين بكتب اللحن أيقنوا (4) بعد فحصها من أنها كتاب "تقويم اللسان" لابن الجوزي المتوفى سنة 597ه‍، وأنه ليس للسيوطي من هذا الكتاب غير نسخ كتاب ابن الجوزي ووضع عنوان آخر له.

ولا شك في أن مهمة الباحثين في كتب اللحن مقصورة على التحقق من نسبة المخطوطة إلى صاحبها الحقيقي. وقد جسدوا هذه المهمة بقولهم إن مخطوطة "غلطات العوام" منسوبة للسيوطي، لأنها نسخة من كتاب "تقويم اللسان" لابن الجوزي. وهذه النتيجة أبعدت المحققين عن العناية بالمخطوطة المذكورة، وحذفت من مؤلفات السيوطي الكتاب اليتيم الدال مباشرة على اهتمام هذه العلامة بموضوع الأغلاط اللغوية.

ولا بد من الإشارة إلى أمر آخر قبل الشروع في البحث عن موقف السيوطي من الأغلاط اللغوية، هو محتوى النوع الخمسين، وهو آخر الأنواع في كتاب "المزهر في علوم اللغة". فقد حمل هذا النوع عنواناً محدداً دالاً على موضوع الأغلاط اللغوية، هو "معرفة أغلاط العرب" (5). ولكن فحص محتوى هذا النوع الخمسين يقود الباحث بسهولة إلى أن السيوطي لم يؤلف حرفاً مما ذكره، بل جمع الأغلاط من سبعة كتب، هي: الخصائص لابن جني وفقه اللغة للثعالبي، والأمالي للقالي والجمهرة لابن دريد وشرح المعلقات لأبي جعفر النحاس وشرح الفصيح لابن خالويه والكامل للمبرّد. وليس هذا بغريب بالنسبة إلى السيوطي. فكتبه كلها تجري على هذا النحو من الجمع والترتيب والتلخيص والتقديم والتأخير. ولا يختلف كتاب "المزهر في علوم اللغة" عن كتاب "الأشباه والنظائر في النحو" (6) أوكتاب "الاقتراح في علم أصول النحو" (7) في اتباع هذا المنحى في التأليف. ومن البدهي ألا يختلف نوع أو فصل داخل الكتاب عن المتبع في الفصول والأنواع الأخرى.

ومن الواجب أن يشير هنا إلى أمانة السيوطي (النسبية)، وحرصه على أن يعزو ما يقبسه إلى أصحابه.

ولكن هل يعني جمع الأغلاط من كتب السابقين أن السيوطي غير مسؤول عنها، وليس له رأي فيها، وأن المسؤولية تقع على عاتق أصحاب الكتب وحدهم؟ .. أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ضرورية جداً في أي محاولة لمعرفة موقف السيوطي من الأمور التي ذكرها في كتبه كلها. ويهمني هنا القول إن إيراد السيوطي الأغلاط في كتاب المزهر يدل على أنه مُقر بمخالفتها العربية الفصيحة، وأنه متفق وأصحاب الكتب التي استمد الأغلاط منها على تعليل الغلظ في كل منها. وإذا كانت الأغلاظ المذكورة في المزهر تنم على الموقف التطبيقي فإن هناك كتباً أخرى للسيوطي تنم على الموقف النظري من هذه الأغلاط وإن لم تُشر إليها صراحة، أي أن ما يصدق على الجانب التطبيقي عند السيوطي يصدق على الجانب النظري أيضاً، لأنه في الجانب النظري لم يؤلف حرفاً، بل راح يستمد من سابقيه الآراء والأقوال، ثم يجمعها ويرتبها ويلخص بعضاً منها قبل أن يوردها في كتبه.

1 - موقف السيوطي النظري من الأغلاط اللغوية:

لا أعتقد أن هناك اختلافاً بين اللغويين العرب حول دلالة مصطلح "الأغلاط اللغوية". فهي عندهم مخالفة اللغة العربية الفصيحة في "الأصوات"، أو في الصيغ، أو في تركيب الجملة وحركات الأعراب، أو في دلالة الألفاظ" (8)

ذلك أن رد المخطئين إلى الصواب يحتاج إلى معيار واضح محدد لا يختلف حوله أحد. والمعروف أن محاولات تحديد المعيار انطلقت من الاتفاق على الاحتجاج بالقرآن الكريم وقراءاته كلها متواترها وآحادها وشاذها (9)، وما دوِّن من الحديث الشريف "في الصدر الأول وإن اختلفت فيها الرواية" (10). أما كلام العرب شعره ونثره فقد اتُّفق على أن حدوده الزمنية تمتد من الجاهلية إلى عام 150ه‍، وعلى أن حدوده المكانية مقصورة على قبائل قليلة ضاربة وسط الجزيرة العربية، هي أسد وتميم وقيس وهذيل. وقد أوجز سعيد الأفغاني قواعد الاحتجاج بست قواعد هي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير