تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دور الإعلام والفنون في النهوض بالفصحى ومواجهة التغريب والعامية]

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[13 - 08 - 2006, 06:30 م]ـ

د. علي لغزيوي (*)

لماذا كانت الفصحى مستهدفة؟

لقد سادت العربية الفصحى خلال عصور متوالية في مختلف البيئات الإسلامية سيادة مطلقة دون أن يرميها أحد بأي تهمة تقلل من شأنها بين اللغات، ولم يثبت أن اشتكى أحد من عيب أو قصور أو عجز فيها، بل كان التنويه كبيرا بإمكاناتها المتعددة، وخصائصها المميزة لها عن غيرها من اللغات بالنظر إلى مكوناتها وقابليتها للاشتقاق، وتعدد مجالات إغنائها، وقدرتها على استيعاب مختلف الحمولات والمعارف، فضلا عن جمالية إيقاعها وموسيقيتها المتميزة.

ومن يتأمل واقع اللغة العربية اليوم، ثم ينظر إلى مسيرتها عبر تاريخها الطويل الحافل، سيلاحظ أنها قد مرت بمجموعة من المراحل المتفاوتة المتأرجحة بين الازدهار أو السير العادي في الغالب، وبين التراجع أحيانا، إلا أنها فيما يبدو لم تشهد حملة معادية منظمة وشرسة، مثلها حدث خلال مرحلة المد الاستعماري على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، وكذلك خلال ما يسمى بمرحلة الاستقلال، لأن الأمة وإن كانت قد تخلصت من القوات العسكرية، فقد ظلت تعاني ولا تزال من أنواع أخرى من الهيمنة، في مقدمتها الهيمنة الفكرية أو الغزو الفكري الذي آل اليوم بعد انكشاف أساليبه إلى ما يعرف بالعولمة التي تسعى إلى إلغاء الهويات، وتذويب الخصوصيات، في إطار ما يعرف بالنظام العالمي الجديد ومنظومته المرتبطة به.

والمثير للغرابة والعجب أن الحملات توجه إلى اللغة في ذاتها لا إلى أهلها، مع أن القصور الذي تُرمى به ليس راجعا إليها، بقدر ما هو كامن في أبنائها، ولاسيما والإجماع حاصل عند علماء الغرب أنفسهم على أن العربية من أكمل اللغات، ويكفي الاطلاع على مجموعة من معاجمهم كمعجم لاروس، أو معجم لالند للوقوف على هذه الشهادات.

غير أن المغرضين تألبوا وتجاهلوا تلك الحقائق، وراحوا يختلقون الأسباب تلو الأسباب للتشكيك في إمكاناتها، وسعوا إلى إبعادها عن مصادر القرار، وحاولوا فصل المسلمين عن ماضيهم لطي إنجازات الأسلاف بهذه اللغة، مع تلميع اللغات الأجنبية، وتشجيع اللهجات بكل الوسائل الممكنة، وفي هذا الجو ظل لدعاة التغريب مجال لبث أفكارهم، وترويج دعواتهم، ثم سلموا المشعل لتلامذتهم وأتباعهم فتبنوا مقولاتهم وصاغوها صياغة جديدة، وتوسلوا بما توهموا أنه يغطي حقيقة نواياهم، أو يضفى على حملتهم وموقفهم طابع المشروعية، ولكن دون طائل كبير، وذلك كما يقول أحد كبار المجمعيين لأن: "الفصحى تراث الماضي ومجد الحاضر، بقيت على الدهر، وسارت مع الزمن، بحيث أضحت لغة قديمة حديثة، تجمع بيت التالد والطارف، وتربط الناطقين بها بأوثق رباط، وقل أن تلتقي معها في هذا لغة أخرى" ([1]).

هذا فضلا عن أنها لغة القرآن الكريم، وبحفظه الذي تولاه الله عز وجل نفسه يتم حفظها، لأنها وعاؤه ولسانه مصداقا لقوله تعالى:) إنَّآ نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (([2]). فحفظها في حفظه، ومن هنا تعددت فضائلها وتنوعت مزاياها، وازدادت الجهود في خدمتها وتطويرها والارتقاء بها.

ولذلك فإنه يبدو بكل تأكيد أن إقدام منظمة الإيسيسكو، مشكورة مأجورة، إن شاء الله عز وجل، على تنظيم هذه الندوة الخاصة باللغة العربية وتحديات العصر، يعد عملا إيجابيا إلى حد بعيد، لأن التحديات لم تتوقف، والحملة على الفصحى لم تنته، ولاسيما مع تصاعد حملات التغريب، وإسهام مختلف وسائل الإعلام في نشر الدعوات المختلفة، وتزايد الجهود لتسخير الفنون لتبني اللهجات إلى غير ذلك من المظاهر السلبية التي تؤكد الواقع المؤلم للفصحى التي غدت غريبة في بيئتها، وهذا ما يجعل هذه المبادرة تأتي في وقتها المناسب، ويؤكد أنها ليست وليدة الصدفة، بل هي ناتجة عن إحساس قوي بما آل إليه أمر هذه اللغة من تفريط، على الرغم من كونها مقوما رئيسيا من أهم مقومات كيان الأمة، ولعل هذا السبب هو الذي جعلها لا تزال مستهدفة في خضم الظروف والتحولات التي يعرفها زمننا هذا بتأثير مما يسمى بالنظام العالمي الجديد والعولمة، وبدافع من المواقف السلبية من كل ما هو عربي إسلامي، بل وبموازاة مع ما يشهده العالم الإسلامي، وقلبه النابض: العالم العربي من تحديات، فقد تفاقم وضع الفصحى وزاد إهمالها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير