تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللغة العربية في وسائل الإعلام المرئية]

ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[04 - 07 - 2006, 03:49 م]ـ

إذا كانت اللغة تعني حسب تعريف ابن جني لها:"مجموعة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"،فهل يكفي رجل الإعلام أن يظهر على الشاشة ويتحدث حتى يفهمه الجمهور؟ ذلك أن كثيرا من وسائل الإعلام المرئية كانت تعتقد واهمة أن الجمهور يفهم رسائلها، في حين أن العكس هو الصحيح. وعليه فمهما " اختلفت لغة وسائل الإعلام، فإنها تخضع لحقيقة بسيطة وهي: الوضوح، والدقة، والمباشرة. على الرغم من أن العربية تعد اللغة الأولى في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، غير أن واقعها على مستوى الممارسة الفعلية (من خلال الحوار والإنتاج الفكري)،يتقهقر إلى آخر السلم لتأتي بعد اللغة اليونانية التي لا يتكلمها إلا حوالي 10مليون! ومع تنامي وسائل الاتصال وسعة انتشارها، وكثرة الإقبال عليها، ولاسيما منها وسائل الإعلام المرئية، ازداد التوجس من مغبة تحول هذه الوسائل –بما تملكه من نفوذ جماهيري- إلى معاول تنسف اللغة، وتفسد استقامة اللسان، وتهوي بالذوق اللغوي إلى الحظيظ. لاسيما إذا كان التلاميذ يقبعون أمام جهاز التلفزيون أكثر مما يجلسون فوق مقاعد الدراسة، فمع إكمالهم مرحلة الدراسة الثانوية يكون التلاميذ قد قضوا 20000ساعة مشاهدة في مقابل 15000ساعة في المدرسة،ومع إغراءات الوسيلة الإعلامية تقيم جسرا منينا مع هؤلاء تتسلل من خلاله قيم معرفية عديدة، قد تؤدي إلى إزاحة ما تقدمه المدرسة أو على الأقل مزاحمته. وفي حديثه عن وظيفة التلفزيون في المجتمع، يحذر الباحث ’رينيه شنكر’ من مغبة انحراف التلفزيون عن دوره وإسهامه في فساد الذوق اللغوي حيث يقول: على التلفزيون أن يأخذ بعين الإعتبارأنه وسيلة ترفيه، بالإضافة إلى غايات أخرى، أنه في هذا المجال وفي المجالات الأخرى يخترع لغة محادثة غير طبيعية، تؤثر حتما في سلامة اللغة الكلاسيكية التي نتعلمها في المدارس.

فاللغة في التلفزيون تتعرض يوميا لموجات من التشويه والتحريف، والواقع أن لغة التلفزيون في شتى البرامج والأفلام تخترق حرمة اللغة الخاصة التي يكونها كل إنسان لنفسه وتتكون فيه من خلال عائلته وبيئته ووطنه.

والحقيقة أنه لا يُطلب من رجل الإعلام أن يتحدث إلى الجمهور بلغة سيبويه، بأن يبالغ في التقعر والتفاصح، وإنما أقصى ما يُطلب منه هو احترام قواعد اللغة والمعايير المنظمة لها، مما يضفي على أسلوبه مسحة من الأناقة والجمالية، وينأى به عن الإسفاف والرداءة والقصور، وعليه يجدر بمن يتصدى لمهنة الإعلام أن يُحسن التقدير في إبلاغ رسالته إلى الجمهور بحيث يوصل محتواها إلى المتلقي دون التجني على اللغة تطرفا أو قصورا. غير أن هذا لا يعني أن في إمكان محبي اللغة العربية، وهم كثر كما نعتقد في طول العالم العربي وعرضه، السكوت دائماً عن تلك المجزرة اليومية التي تنحر اللغة العربية في كل ساعة ودقيقة على الشاشات الصغيرة، في معظمها، إن لم يكن في مجملها، أو عن تلك المجزرة الأخرى التي تطاول أبسط المعلومات وبعض البديهي منها، في برامج عدة. يتحدث فيها مقدموها، أو المشاركون في تمثيل حلقاتها بلغة ذات أداء سيئ أو منحرف، كما في كلام مقدمة أحد برامج الأطفال على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال الذي يصطبغ بلهجة مطاطة ومتعثرة تعبث بلفظ الحروف وتراكيب الكلمات، وتُخلط دون مبرر، بين العربية والفرنسية والإنجليزية. ويقينا أن هذه العجالة لا يمكنها أن تحصي أخطاء تعد بالمئات في كل يوم، من نصب الفاعل، إلى جر المفعول به، إلى اعتبار كل كلمة حالاً وتمييزاً، إلى رفع المضاف والمضاف إليه. ناهيك بالكوارث التي تحل بالمبتدأ والخبر وما إلى ذلك. ويصبح الخطر أكثر عندما نعلم أن مجتمعاتنا تكثر فيها نسبة الأمية وتقل فيها نسبة المقروئية، وفي غياب فضاءات التثقيف والترفيه في الغالب يظل التلفزيون القبلة شبه الوحيدة التي تمتص وقت فراغ المشاهد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير