تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حكاية سحَّارة (13) " اختفاء المعلم مسعود"

ـ[معاوية]ــــــــ[01 - 10 - 2006, 12:30 م]ـ

.................................................................

قراءة من كتاب خرافي ..

.................................................................

لعبد الله بن محمد الغذامي ....

13 - حكاية سحَّارة

ـ 1 ـ

بعد أن نشرت الحلقة الماضية تلقيت مكالمة هاتفية مفاجئة من الشاب (سمير) تلميذ المعلم مسعود ومريده الأثير، وقد قال سمير إنه يهاتفني ليبلغني بأمر أستاذه بعد حادثة لقائه مع ناظر المدرسة في المختبر الصوتي في المدرسة. ولقد تحدث معي سمير بحديث طويل عن أستاذه وعن المدرسة وشجرة السدر وعن زملائه التلاميذ. وقد لا أتمكن من رواية كل ما قاله لي سمير لأن بعضه من الأمور الخاصة جدًا، كما أن هناك أحداثًا من الصعب الخوض فيها لأنها تمس بعض الأشخاص الذين لهم مكانة معروفة في المجتمع، ولكنني سأكتفي بنقل ما قاله سمير عن حالة المعلم مسعود بعد خروجه من المختبر.

ـ 2 ـ

يقول سمير إنه كان يتجول في جنبات المدرسة وهو يحمل الحسرة في نفسه على الحال التي يمر بها الجميع، وكان ملتزمًا بالتعليمات الرسمية من حيث تجنب الكلام والهرولة والاكتفاء دائمًا بالحركات الهادئة كالإيماء بالحاجب أو رفع السبابة أو المسح على الجبهة، حسب مقتضيات المقام وموجبات الحال التي دربهم عليها الأستاذ حسون.

وكان من عادة سمير أن يتقابل مع المعلم مسعود خلف شجرة السدر وفي حمايتها حيث يتبادلان الحديث والشجون بعيدًا عن ملاحظة الأستاذ حسون.

وفي ذلك اليوم ذهب سمير إلى الموقع ذاته ولكنه فوجئ بعدم وجود المعلم على غير ما هو معتاد عنه من حرصه الشديد على هذا اللقاء الخصوص جدًا والهام للاثنين معًا. وانتظر سمير مدة من الوقت فلم يحضر المعلم مما أقلق بال سمير وحيّره، ولم يك في يده من حيلة سوى البقاء تحت السدرة وفي حمايتها منتظرًا الفرج من الله ومتصبرًا على حيرته.

ـ 3 ـ

مرّت الساعات على سمير وهو مختبئ في شجرة السدر، وفي نفسه تصميم على الانتظار حيث يكتشف سرّ اختفاء المعلم، واستمر على حاله إلى أن انتهى الدوام الرسمي للمدرسة وانصرف التلاميذ إلى أهاليهم وفرغت المدرسة من ساكنيها، وهنا لاحظ سمير حركات أذهلته وسلبت صوابه فقد شاهد ناظر المدرسة الأستاذ حسون يخرج من غرفة الإدارة ومعه عصًا مطاطية متلوية كالأفعى، وأخذ يرفعها ويلوح بها يمينًا وشمالاً ويهوي بها ضربًا وجلدًا في جدران المدرسة وأعمدتها وفي أغصان شجرة السدر، ثم يأتي بقطيع من الخرفان محجوزة في الفناء الخلفي ويجرها ممسكًا بقرونها ويوقفها على شجرة السدر ويقف على رؤوسها وهي تأكل الورقات الخضراء في الشجرة.

يفعل هذا ويدير وجهه متصفحًا الجدران والأعمدة ثم فجأة ينط بانفعال وطيش ويأخذ بضرب أحد الجدران بعصاه الأفعوانية ولا يترك الجدار إلا وقد سال البلل من حوله وكأنها دموع يسفكها الجدار من شدة الوجع والقهر، وظل السيد الناظر على هذه الحال إلى أن حان وقت الغروب.

ـ[معاوية]ــــــــ[04 - 10 - 2006, 10:56 م]ـ

ــ 4 ــ

عند الغروب قام الناظر بإعادة الخراف إلى مخدعها، وطوى العصا طيًّا رشيقًا ووضعها في جيبه الأمامي مثلما يضع أحدنا قلمه في جيبه، وظهرت العصا وكأنها مقص أزرق معلق على الجيب.

ثم تجول الناظر من حول الشجرة، ولكنه لم يكتشف وجود سمير تحت السدرة. فلقد تمكنت السدرة من إخفاء سمير والتكتم عليه كما تدس الأم الحنون وليدها الرضيع في حضنها. هذا ما قاله سمير وأكده لي مشيرًا إلى ما بينه وبين السدرة من علاقة حميمة خاصة لا يفهمها إلا من عرف هذه الشجرة المباركة.

دار الناظر دورته ثم راح إلى غرفة المختبر وخرج وهو يجر المعلم مسعود وراءه. والمعلم يسير مذهولاً ذابل الحاجبين مرتخي الأعضاء، لا يتكلم ولا يبتسم ـ ولقد كان الابتسام عادته التي لم تك تفارقه ـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير