تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

-إسقاط الاحتجاج بما يتطرق إليه الاحتمال.

-إسقاط الاحتجاج بما تأخر زمان صاحبه عن زمن الاحتجاج.

لا يُحتج للقاعدة بكلام له روايتان متساويتان في القوة.

-لا يُبنى على شاهد قبل تحريه والتوثق من ضبطه.

-لا يُكتفى بالكلام الأبتر.

-ينبغي التفريق بين ما يُرتكب للضرورة الشعرية وما يؤتى به على السعة والاختيار.

هذا هو، بإيجاز، موقف اللغويين العرب من الاحتجاج بالقرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب شعره ونثره. وقد عُد هذا الموقف معياراً للبصريين الذين اعتمدوا القياس وتشددوا فيه، كما عُد معياراً للكوفيين الذين تسمحوا وتوسعوا وأقبلوا على السّماع. ثم عرف تاريخ اللغة العربية ما سمي بالمدرستين البغدادية والأندلسية، وهما مدرستان قريبتان من المذهب البصري، ولكن علماء هما جمعوا إيجابيات البصريين والكوفيين، وكونوا مذاهب جديدة اشتهروا بها، كما هي حال أبي علي القالي وأبي حيان الغرناطي، ثم ابن مالك وابن هشام الأنصاري، ولكن الاتجاه الجديد الذي رسخته المدرستان البغدادية والأندلسية لم يخرج على معيار الاحتجاج، إضافة إلى أنه اتصف بالمرونة والتوسعة، ولم يقض على اتجاه القياس لدى البصريين والسّماع لدى الكوفيين. فابن جني البصري المتسمّع قياسيّ، وابن خالويه الكوفي المتشدد سماعيّ.

ههنا يمكنني القول إن جلال الدين السيوطي ورث بحكم تأخره الزمني ما خلفه علماء اللغة السابقون عليه. وتشير كتبه اطلاعه على آراء المدارس اللغوية في الاحتجاج، ولكنه لم يُعبر عن موقفه النظري من الأغلاط اللغوية تعبيراً مباشراً، بل عبر عنه تعبيراً غير مباشر. والمراد بالتعبير غير المباشر هنا اتباع السيوطي نهجاً في التأليف عماده جمع الآراء من كتب سابقيه. ثم نثرها في كتبه نصاً أو تلخيصاً أو تعديلاً. ويخيل إلي أن السيوطي كان يضع لكتابه خطة محددة، هي تقسيم الكتاب إلى أقسام، لكل قسم عنوان محدد. فكتاب المزهر في علوم اللغة يضم خمسين نوعاً، لكل نوع منها عنوان معين. فالنوع الأول هو معرفة الصحيح ويُقال له الثابت والمحفوظ، والثالث عشر هو معرفة الحوشي والغرائب والشواذ والنوادر .. وكتاب الاقتراح في علم أصول النحو يضم كلاماً في المقدمات وسبعة كتب. الكتاب الأول في السماع، والسابع في أول من وضع النحو. ولم تخل كتب السيوطي الجياد كلها من هذه الخطة التي تضم أقساماً محددة، يضعها السيوطي أول الأمر، ثم يرجع إلى أجزائها بعد ذلك جزءاً جزءاً ليذكر في كل جزء الآراء التي كان جمعها حول العنوان الذي وضعه لهذا الجزء.

وليس بمستبعد أن يضع السيوطي خططاً عدة في وقت واحد، ثم يملأ أقسامها في أثناء قراءاته. وقد أكد هذا الاحتمال عندي ما رأيته في نهايات بعض الأقسام من آراء نص السيوطي صراحة على أنه اطلع عليها بعد إيراده ما سبق له تدوينه. فقد حدد في كتاب الاقتراح المصطلحات التي يضمها تعريف "أصول النحو". وبعد فراغه منها قال: "بعد أن حررت هذا الحد بفكري وشرحته وجدت ابن الأنباري قال:" (12)، ثم ذكر نص كلام ابن الأنباري، وذيله بقوله: "وهذا جميع ما ذكره في الفصل الأول بحروفه" (13) ليدل على أنه نسخ كلام ابن الأنباري دون تلخيص أو تعديل. وقد تكرر الاستدراك من كتاب ابن الأنباري غير مرة في كتاب الاقتراح (14). ومهما يكن لأمر فإن هذا الاحتمال يحتاج إلى دراسة مستقلة ترجحه أو تنفيه أو تؤكده جملة وتفصيلا. فإذا صح لدى الباحثين أمره فإنني أعتقد أنه يعينهم على تفسير غزارة التأليف لدى السيوطي.

إن نهج السيوطي في التأليف ينطلق من "عقلية حديثية"، هي، في رأيي، جوهر التكوين المعرفيّ للسيوطي. وأقصد بهذه العقلية تأثره الواضح بعلم الحديث رواية ودراية وجرحاً وتعديلاً. والمعروف أنه لم يخف هذا التأثر، ولم يجد حرجاً في نقله إلى الحقل اللغوي، واستعمال مصطلحاته فيه. وقد أشرت إلى هذا الأمر لأعلل الأمانة العلمية (النسبية) التي تتصف بها كتب السيوطي، من تصريح بأسماء الذين ينقل عنهم، وقرنها بأسماء الكتب التي ينقل منها غالباً، وهذا كله يسمح لنا بدراسة طبيعة نقول السيوطي من الكتب لتحديد جوهر موقفه النظري غير المباشر من الأغلاط اللغوية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير