أوقفه حسون الملعون على الشجرة وبدأ يغريه بأن يأكل من ورقاتها الخضراء. ومن الواضح أن مسعود جائع ومنهك. ولكنه كان يقاوم مقاومة ضعيفة ويبدو عليه العجز وقلّة الحيلة. وحسون يشد عليه حينًا ويلاطفه حينًا، ويحاول إغراءه بأكل الشجرة. ومن الغريب أن حسون الذي يحرم الكلام ويمنع الجميع من استعمال اللغة صار في هذه اللحظة يتكلم ويتحدث مستخدمًا كل أنواع الخطابات اللغوية إغراء وتهديدًا ومجادلة ومغازلة. كل ذلك ليقنع المعلم مسعود بالأكل من الشجرة.
ـ[معاوية]ــــــــ[05 - 10 - 2006, 01:42 م]ـ
حتى إنه في وسط هذه المحاولات راح يرش الماء على لسان المعلم مسعود لكي يلين ويترطب بعد جفافه وتيبسه، وراح يقول إنني سأسمح لك بالكلام واستخدام لسانك إذا أكلت من أوراق الشجرة.
وراح مسعود يترشف قطرات الماء بلهفة تدل على أنه لم يطعم الماء منذ مدة طويلة.
ترشف المعلم مسعود ذرات الماء ولان لسانه ونطق.
ولكنه نطق ليقول لحسون: لن آكل ورقات الشجرة.
لن آكل ورقات الشجرة.
وقال بصوت منهك مجهد: هذه الشجرة هي أمي ولن أمزق أحشاء أمي ومهما أطلقت خرافك على هذه الشجرة فإنها سوف تنبت عشر ورقات خضر مقابل كل ورقة تأكلها خرافك.
هذه شجرة البركة والحياة، وأنا لن أكون ساحقًا للبركة والحياة.
ظل مسعود يردد هذه الكلمات بصوت متقطع يصدر عن لسان عانى من الكبت والأسر ولكنه لم يلن ولم يهن.
ويقول سمير إنه خاف عند ذلك على معلمه من طيش حسون وغضبه، ولكن حسون أظهر سماحة في الكلام عجيبة فلم يغضب من المعلم ولم يشدد عليه بل لاطفه وربت على كتفه وجره من يده وأخذه إلى غرفة المختبر حيث أدخله هناك وأغلق عليه الباب.
ــ 5 ــ
ذهب ناظر المدرسة بعد ذلك إلى غرفة المستودع وسمير ما زال يراقب تحركاته، وغاب في الغرفة بعض الوقت، ثم خرج وقد غيّر ملابسه وارتدى لباسًا عليه الأبهة والوجاهة وتظهر عليه علامات الثراء والرفاهية واتجه إلى باب المدرسة حيث شاهده سمير يصافح مجموعة من الرجال المتهندمين بأفخر الملابس، وكان الناظر يمازحهم ويقهقه معهم بضحكات مجلجلة وبصخب متهلل ويتكلم معهم بصوت عال لا تحفظ فيه، ثم امتطى الجميع سيارة فارهة من سيارات الوجاهة والثراء، وتحركت بهم السيارة بعيدًا عن المدرسة.
وهنا خلت المدرسة لسمير ومعلمه ولباقي الحكاية في الفصل القادم ـ إن شاء الله ـ.
انتهت الحكاية الثالثة عشر