تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فائدة عن القياس في اللغة والنحو]

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 08:38 ص]ـ

تعريف القياس في اللغة: هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه، وهذا تعريف ابن الأنباري، رحمه الله، في "جدله"، كما نقله عنه السيوطي، رحمه الله، في "الاقتراح"، في صدر الكتاب الثالث في: "الاقتراح"، وقد عقده لبيان أحكام القياس في علم النحو.

فينظر إلى المعنى الجامع بين الأصل والفرع فهو علة تعدي حكم الأصل إلى الفرع، كما في القياس الفقهي الذي يعدى فيه الحكم من الأصل إلى الفرع، فالباب واحد، وإن اختلف الحكم، فهو في الأول: لغوي، وفي الثاني: فقهي شرعي.

فمن أجاز ذلك، ومدرسة القياس في اللغة يتزعمها الفارسي وابن جني رحمهما الله، من أجاز ذلك فإنه ينظر إلى المعنى الذي اشتق منه الأصل إن لم يكن اسما جامدا، ويعدي الحكم بإطلاق الاسم بوجود الوصف المؤثر في التسمية في الفرع وجوده في الأصل، ومن منع فإنه لا يرى الاشتقاق دليلا على جواز القياس، فيستدل بنحو: القارورة والخروف، فإن القارورة اسم أطلق على إناء بعينه لقرار الماء فيه ومع ذلك لا يجوز إطلاقه على كل إناء يقر الماء فيه فلا يطلق على الكوب أو الكوز قارورة، وإن قر الماء فيهما، و: الخروف، فإنه سمي بذلك لأنه يخرف أو يقطع الزرع حال أكله، وذلك معنى يوجد، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين، في الزرافة ونحوها، ومع ذلك لا يطلق عليها اسم الخروف فهو، وإن كان مشتقا من جهة معناه، إلا أنه جامد من جهة دلالته على جنس بعينه من الحيوان، فينزل منزلة العلم الذي أصله: اسم مشتق، ولكنه غلب على صاحبه فصار اسما جامدا من هذا الوجه كالصاحب، فإنه علم على واحد بعينه هو الصاحب بن عباد، وزير البويهيين المعروف، وإن احتمل غيره بقرينة سياقية صارفة، بل لعل الأصل ألا يدل عليه إلا بقرينة سياقية تعينه هو لا غيره، فهو الفرع والوصف المشتق هو الأصل الذي استثني منه.

وفائدة الخلاف في هذه المسألة أنه إذا ثبت القياس اللغوي فقد كفي المستدل مؤونة القياس الشرعي فإن اللفظ إن دل بمادته على معنى بعينه وجاز إلحاق غيره به في المبنى اللفظي لتحقق المعنى الذي علق عليه الاسم في الفرع المقيس، فقد شمله بالوضع فأخذ جميع أحكامه الشرعية وذلك يتصور بداهة في الأسماء المشتقة التي يظهر للناظر فيها وجه تعلق المعنى بالمبنى، فيصح القياس على ذلك، كلفظ الخمر إن نظر إلى معنى تخمير العقل وتغطيته فيها، فإنه معنى يعم كل المسكرات، فمن جوز القياس اللغوي فإته يطلق اسم الخمر على كل ما خامر العقل فلا يخصه بالخمر المعهودة، بل هو عام في كل ما تحقق فيه الوصف الذي اشتق منه لفظها، فيأخذ أحكامها ابتداء دون حاجة إلى القياس الشرعي، إذ اسم الخمر الذي علق عليه حكم الحرمة قد شمله بالقياس اللغوي، ومن أنكر ذلك فإنه لا يحكم للفرع بحكم الأصل إلا بالقياس الشرعي لاختلاف الأعيان، فعين الخمر غير عين المسكر، فلزم النظر في العلة المؤثرة في التحريم لتعديتها إلى كل عين تتحقق فيها، فيكون مرد القياس إلى المعنى دون اللفظ إذ لم يشمل اللفظ الفرع المقيس ابتداء كما في القياس اللغوي.

وعليه تخرج مسألة كالنهي عن سب الوالدين فرعا عن النهي عن قول أف لهما، فذلك ثابت بقياس الأولى على الأصل إذ النهي عن الأدنى يستلزم النهي عن الأعلى، فمن أنكر القياس الشرعي فإنه يلجأ إلى القياس اللغوي فيوسع دائرة التأفف اللفظي لتعم كل مستكره من قول أو فعل فتصير داخلة في حد النهي ابتداء دون حاجة إلى قياس.

ومرد الأمر في كلا الوجهين عند النظر والتأمل إلى المعني، فالقياس اللغوي يعتمد المعنى في إلحاق الفرع المقيس بالأصل المقيس عليه فلم يلحق أي عين أخرى باسم الخمر إلا إذا تحقق وصف الإسكار فيها، والقياس الفقهي يعتمد المعنى أيضا فالعلة كما عرفها الأصوليون: وصف ظاهر منضبط يصح تعليق الأحكام عليه وجودا وعدما، فلن يلحق الفقيه أي مسكر بالخمر في حكم الإسكار، لا في لفظه وهذا هو الفارق الوحيد تقريبا بين قياس اللغوي وفياس الفقيه، إلا إذا تحقق وصف الإسكار المؤثر فيه، فوصف الإسكار هو المؤثر في كلا الحالين فبه يلحق اللغوي غير الحمر بها في اسمها، وبه يلحق الفقيه غير الخمر بها في حكمها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير