ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:06 ص]ـ
94
وكان العرب في الجاهلية يتقون الشعراء أكثر من اتقائهم بها اليوم الأمراء لأنهم كانوا يخافون نوافذ أقوالهم وما يخلد على الدهر من أشعارهم، فرب خامل رفعه الشعر، ووضيع رفعه.
100
وللشعر في كل أمر -جدا كان أو هزلا حقا كان أو باطلا- مدخل لا يحله سواه، لا جرم إن صاحبه إذا كان جيد التصرف حسن التوصل بلغ به إلى كل مبلغ وقال [نال] به كل بغية.
ويقال إن الحارث بن حلزة اليشكري لما أنشد عمرو بن هند قصيدته التي أولها: /
آذنتنا ...
أنشدها وبينهما سبعة حجب ...
106
وحي ذوي الأضغان تملك قلوبهم تحيتك الحسنى فقد يرقع النغل
فإن دحسوا باللؤم فاعف تكرما ....... وإن كتموا عنك الحديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منه استماعه ....... وإن الذي قالوا وراءك لم يقل
112
كما قال السري بن أحمد واصفا ذلك:
والشعر كالروض ذا طامٍ وذا خضل ....... وكالصوارم ذا ناب وذا خذم
مثل العرانين هذا حظه خنس ....... مزر عليه وهذا حظه شمم
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:06 ص]ـ
121
صناعة البديع هي الصناعة التي يتمكن بها الشاعر من إظهار رونق الشعر وتهذيبه وتمييز رائقه عن خبيثه حتى يلج الأذن بغير إذن، ويعلق بالقلب من غير كد، وكأنها أخص باللفظ من المعنى، إذ كان الشعر –كما قيل فيما / سلف- يتم بأربعة أشياء وهي اللفظ والمعنى والوزن والقافية، إلا أن القافية مشترطة في القصيدة.
فأما البيت فمبني على الثلاثة الأول
124
فأول ما يجب على الشاعر اختيار المعنى وانتحاله، ثم يتخير اللفظ السهل الرائق له، وليس يكفي فيه أن لا يكون حوشيا غير مستعمل، ولا يكون رذلا ساقطا، حتى يكون متسق التركيب، غير قلق البناء أو ما قد اعتمد فيه من التقديم والتأخير وما غير ديباجته وكدر صفوه فيكل الذهن فيه وينبو السمع عنه
125
كقول الشاعر [في المتنافر الثقيل]
لم يضرها والحمد لله شيء ......... وانثنت نحو عزف نفس جهول
125
لأنه [أبو تمام] أول من لزم طريقة البديع في شعره من المولدين واتخذها له أسلوبا لا يقلع عنه ولا ينام دونه، وعرف / بالتصنع فيه، وإن كان قد تقدمه في ذلك مسلم بن الوليد وبشار والعتابي والنمري وغيرهم، فلم يتحقق به أحد منهم كتحققه، وذلك أنه لا يخلي قصيدة له من أبيات قد ضمنها فيه ما يظهر عليه أثر التصنع والتنقيح
126
وليس الأمر في البديع كما يظنه المحدثون من أنهم تفردوا به وفازوا بحظه دون من سواهم من المتقدمين، بل كان أولئك يستعملونه طبعا لا تطبعا، كحالهم في النحو والعروض وغيرهما من علوم اللسان، فإن المتقدمين كانوا يستغنون بطباعهم في ذلك عن تعلمه بل لم يكن شيء من ذلك معروفا باسم يخصه ولا صفة تميزه.
127
قال أبو عمرو بن العلاء: كانت يدي في يد الفرزدق وأنا أسايره فأنشدت:
أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ......... وساق الثريا في ملاءته الفجر
فقال: أرشدك أم أدعك؟ قلت: بل أرشدني، فقال: إن العود لا يذوي ما دام في الثرى، والصواب حتى ذوى العود والثرى.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:06 ص]ـ
135
ولم يكمل هذه الصناعة ويهذبها [العروض] كأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري فإنه تعقب ما ألفه الخليل فيها فأحسن التعقب والإصلاح، واطرح الفضول وهذب الصناعة أحسن تهذيب
137
وأما حجته في إسقاط البحور الأربعة المذكورة فهي أنه وجدها تتفرع من بعض البحور الاثني عشر إذا دخلها زحاف، فالسريع من البسيط، والمنسرح من الرجز، والمقتضب من المنسرح [الرجز]، والمجتث من الخفيف.
138
وقال الجاحظ: العروض علم مولد وأدب مستبرد، ومذهب مرذول وكلام مجهول، يكد العقول بمستفعلن وفعول، من غير فائدة ولا محصول. وشهادة الجاحظ على العروض غير جائزة لتناقضها إذ هو القائل في مدحه: العروض ميزان الشعر ومعياره به يعرف الصحيح من السقيم والعليل من السليم وعليه مدار القريض وقطبه الذي عليه مداره، والشعر يسلم فيه من الأود والكسر، وكثير من الشعراء يكون له نفاذ في توليد المعاني وفصاحة اللفظ وتقصر أذهانهم عن معرفة الوزن فيأتون بأشعار هي بأن تسمى نثرا أولى منها بأن تسمى شعرا.
ومن أولئك عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر الأسدي، فإنه لم يقل الشعر / إلا بعدما اكتهل
139
¥