ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:07 ص]ـ
260
ويروى عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها خمس ليال، ولولا أني أقطع الفكر منها ما جاوزتها إلى غيرها.
261
بل إذا تلوت قول الله تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله} وعلمت أن مبنى القرآن على الفصاحة وأن الذي جرت به عادة فصحاء العرب في النطق به أن يقابلوا الجميع بالجميع والواحد بالواحد، وكان الوجه أن يقال في مثل هذا / أن يقولوا عن اليمين والشمال أو عن الأيامن والشمائل تنبهت من ذلك على أن لاختلاف اللفظ معنى أوجبه، وذلك أن العمارة في الأرض في الربع الشمالي كلها إلا الشيء اليسير، فالظلال في أكثر الأوقات أو في كلها إلى جهة الشمال، وأقل الأظلال في بعض الأوقات إلى جهة الجنوب فوجب أن يدل على الأكثر بلفظ الكثير، وعلى الأقل بلفظ القليل، وذلك قوله تعالى عن اليمين الأظلال الجنوبية والشمائل الأظلال الشمالية {فتبارك الله رب العالمين} فتعلم مما قدمنا من ذلك أنه كتاب عزيز {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} وأن أمثال هذه الآية اشتملت على ما أتعب أهل الهيئة فيه أفكارهم وملأوا به مصنفاتهم، وقد وضح فيها بأيسر إشارة وأوضح عبارة، ويتحقق أن لا علم إلا وهو موجود في القرآن الكريم على نحو من الاختصار والتلخيص لا تصل إليه كل القوى البشرية.
[سابقة للبحث في الإعجاز العلمي]
264
وقرأت في كتاب مراتب القضاة وعمال الأمصار أن سوارا القاضي كان إذا عدل عنده شاهد قال: أفجائز العدالة هو؟ وذلك أنه قد يكون العدل غير جائز العدالة لغلبة السهو والبله على كثير من الأخيار العدول. وإنما نبه سوار على ذلك أنه شهد عنده شاهدان لرجل بدار على آخر، فأنكر المشهود عليه إنكارا عضده قرينةُ حال تشهد له بالصدق، فدعا ذلك سوارا إلى أن استثبت الشاهدين في الشهادة فثبتا عليها، وكان بحضرة سوار بعض أقاربه فقال للشاهدين إنه ليس للقاضي أن يسألكما كيف علمتما ما شهدتما به ولكني أسألكما عن ذلك، فقالا: إنه أراد هذا المشهود له الحج فأحضرنا إلى هذه الدار وقال: هذه داري، فإن حدث بي حدث فهي في سبيل كذا، فقال: الله أكبر، فهل عندكما شيء تشهدان به غير ذلك؟ قالا: لا. قال: أفلو أحضرتكما إلى دار سوار وقلت لكما مثل هذه المقالة، أكنتما تشهدان بها لي؟ فتيقظا وعلما أنهما أخطآ فعادا عن الشهادة وعلم سوار أنهما إنما أتي عليهما من البله فكان يقول ما تقدم ذكره.
266
وهذا دليل ضعيف جدا [مفهوم المخالفة] ........
وكل هذه الأقيسة إقناعية تعطي في بعض الأمور سكون النفس فقط / وهي ضعيفة جدا.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 11:07 ص]ـ
267
وقرأت في كتاب مراتب القضاة وعمال الأمصار أن أبا يوسف القاضي نعى ذلك على مالك بن أنس في مسائل شبيهة بها، فتوصل يحيى بن خالد إلى الرشيد في الجمع بينهما للمناظرة، وذلك في بعض حجات الرشيد، فأمر أن يحضر مالك فاعتذر أن به مرضا يمنعه الحضورَ فلم يعذره، فحضر إليه ومعه رجلان من قريش، فسأل أبو يوسف عن مسائل احتج فيها عنه القرشيان إلى أن انتهى إلى هذه المسألة. فقال أبو يوسف: يا أمير المؤمنين إن مالكا يزعم أن لو حلف رجل بالطلاق على جوزة أن فيها قلبين فكسرها فهشمها فلم يدر أقلب أم قلبان أن امرأته طالق. فقال القرشي إن مالكا يا أمير المؤمنين يقول ما هو أشد من هذا. وهو أن الحالف لو رفق فكسر الجوزة وخرج منها قلبان لزمه الطلاق، فقال كيف ذلك؟ وقد صدق قسمه. قال إنه لم يجب الطلاق بالحنث، ولكن للحلف على مجهول، فاستحسن الرشيد ذلك منه، ثم استأذنه في النهوض فقال: / إني أحب أن تتغدى معنا فأجابه إلى ذلك فجاء الخادم بالماء للغسل قبل الطعام فغسل الحاضرون وأتى الخادم إلى مالك فقبض يده وقال هي بدعة فقال الخادم فلا تأكل إذا مع أمير المؤمنين، فقال: إذا لا أبالي، فسمع الرشيد محاورتهما ولم يفهم ما قال، فاستفهم ذلك، فقال له أبو يوسف: قال له الخادم إن لم تغسل فلا تأكل مع أمير المؤمنين، فقال: إذا لا يبالي، يعني أمير المؤمنين فقال لنأكل ولا يغسل، فأكل فأمر له بصلة وانصرف، فما زال مالك يعرف ذلك لأبي يوسف ويحمده عليه على ما كان بينهما.
269
حتى إنه يقال إن أرشميدس كان يقول في تسبيحه سبحانه من يعلم وجود خطين بين خطين وتربيع الدائرة وضلع المسبع وجذر الأصم ولم تزل هذه الأشياء مجهولة يعتقد أنها من الممتنعات إلى أن صنع بلينوس [أبولونيوس] كتابه في المخروطات فبين بما أصله وجود ضلع المسبع ووجود خطين بين خطين وبقي تربيع الدائرة وجذر الأصم على حالهما.
275
ويقال إن أول من نظر في هذا النوع من العلم أرشميدس فإنه –فيما يقال- كان حاضرا مجلس إيرن ملك صقلية وقد أهدي إليه إكليل من ذهب عظيم القدر حسن الصنعة وأنه وقع في نفسه أن ذهب الإكليل ليس بالخالص، وأراد أن يمتحن ذلك ولم يطب نفسا بفساد صورة الإكليل لما فيه من حسن الصنعة فجعل ذلك مسألة ألقاها على أرشميدس ومن حضره فعمل أرشميدس كتابا في استخراج كمية كل واحد من جرمين مختلطين.
وقد رأيت في ذلك كتبا منسوبة إليه وإلى غيره إلا أني لم أجدها من الإتقان والصحة على النحو الذي ينبغي أن يكون عليه ما يصدر عن أرشميدس، إذ كانت تحتاج إلى كلف صعبة وأمور وأحوال عسرة، ولم أزل مواصل البحث عما يكون في هذا المطلب على غاية الكمال والإتقان إلى أن وقع إلي كتاب منسوب [إلى] منالاوس صاحب كتاب الكرات فوجدته قد استوفى هذا المعنى استيفاء واستخرج كمية كل واحد من ثلاثة أجرام كثيرة مختلطة فضلا عن جرمين، ومن أحب علم ذلك على الاستقصاء وجده في ذلك الكتاب المذكور.
280
ولم يقدم أحد من المهندسين بعده [أرشميدس] على تراخي المدة وطول الزمن على تعاطي ذلك، إلى أن كان أول من أدركه وشعر به أبو سهل بحر بن رستم الكوهي، ثم أبو حامد أحمد بن محمد الصنعاني، فاستخرجه كل واحد منهما بالقطوع المخروطية وسلك الناس بعدهم سبيلهم في ذلك.
¥